على رغم أنه كان نقلاً مباشراً لوقائع مؤتمر «جنيف 2» الذي لم يكن في جنيف بل في منتجع مونترو، بأشجاره العارية وجباله المكسوة جزئياً بالثلوج وبحيرته الزرقاء، فالصورة لم تكن واحدة، على الأقل بين المحطات الثلاث، «الفضائية السورية» و«العربية» و«الجزيرة». الإطار الطبيعي الذي اختارته «الجزيرة» و«العربية» كلوحة خلفية، لم يفلح في تبريد الأجواء الملبدة في مكان الحدث ولا خارجه. فالمشاهدون المتابعون للخطب المتتالية تنقلت مشاعرهم بين غضب ورغبة في الصراخ وغيظ ثم تبلد للإحساس ولامبالاة من كذب لا يطاق ونفاق لا يحتمل وتضليل لا يقدر عليه إلا أصحابه. التلفزيون السوري نقل «بكل أمانة» كل الكلمات من دون استثناء حتى لا يقال إنهم تدخلوا للحذف، كما أعلنت مراسلته من هناك. هو لم يفعل مثل «الجزيرة» أو «العربية» اللتين اختصرتا بعض الكلمات أو غيبتاها تماماً. فضلت المحطتان «إهمال» كلمات بعض الوفود العربية التي اعتبرتها ربما بعيدة من الحدث (المغرب مثلاً)، وكذلك خطب بعض الوفود الغربية (النروج كمثال آخر). وسعت للحوار مع المراسلين والمحللين لالتقاط كل «الإشارات» التي وردت على لسان وفدّي النظام السوري والمعارضة. في»الجزيرة»، كانت لعبة الشد والجذب المألوفة بين أحد المؤيدين المخلصين للنظام السوري في استوديو الدوحة (في السابق كان يعبر عن إخلاصه من استديوات دمشق) وبين الإعلامية غادة عويس في المنتجع السويسري. الحوار بينهما كمباراة مسلية يقوم المشاهد، كل وفق انتمائه، بمحاولة لتحديد المنتصر فيها مع ملاحظته أن المؤيد الوفي اكتفى هذه المرة بمهاجمة السعودية دون قطر، ربما حرمة للاستوديو الذي استضافه. التلفزيون السوري كالعهد به، كان «مبتكراً» ويبعث برسائل على طريقته الخاصة التي لا يضاهيه احد في «عبقريتها» وفي الصدمة التي تحدثها. حين نقله كلمات الوفود كانت صورة المتحدث تملأ الشاشة، بمعنى لا صور أخرى جانبية لمراسل أو لمحلل أو لحدث، كما فعلت أحياناً غريمتاه أعلاه. ولكن حين ألقى وزير الخارجية السعودي كلمته، اقتسمت الشاشة السورية بين بث مباشر للخطاب، وبين مشاهد جانبية، لصور شنيعة، من جثث متفحمة وأشلاء مبعثرة وأجساد ممزقة تجافي أدنى حد لاحترام الكرامة الإنسانية وللأموات... ثم في تلخيص للكلمة كتب معلق التلفزيون السوري ما يتجاوز كل ذكاء يتحلى به القارئ المشاهد. إذ يظن المرء في البدء أن خطأ مطبعياً قد حدث، فهو لا يجد معنى لإحدى الكلمات الواردة في الجملة، فيجد في البحث: «وزير خارجية أسرته يؤكد مواصلة العدوان على سورية»! هذا قبل أن يكتشف من جديد «عبقرية» التلفزيون السوري.