تضمّن العرض الذي قدمته فرقة «دراويش قونيا» التركية في عمّان، فقرات متنوعة من الغناء والرقص والموسيقى، وفق طريقتين: القادرية والمولوية، بما تنطويان عليه من تسامح ورغبة. العرض الذي حضره جمهور خاص من الجالية التركية، احتضنه المركز الثقافي الملكي في افتتاح مهرجان الموسيقى الروحانية في دورته الثالثة، الذي ينظمه المعهد الفرنسي ويختتم في 25 من الشهر الجاري بمشاركة فعاليات من تركياوفرنساوالأردن. وكان القسم الأول من الفرجة، جلسة ذكر ضمّت 15 مريداً، بين منشد وموسيقي، التزموا قواعد الطريقة القادرية التي تُنسب إلى عبد القادر الجيلاني، وأبرزها الإكثار من ذكر الله تعالى ليرتقي المرء إلى مصافّ المحبين لله ورسوله، فضلاً عن أن الذكر هو الوسيلة والتقنية التي يقوم المريد من خلالهما بتزكية نفسه وتربيتها على الأخلاق المحمّدية. بدأ الأداء بتوظيف الموسيقى والشعر والذكر عند إنشاد «اللهم صلِّ وسلّم على سيدنا محمد» في صياغات لحنية مختلفة -وفي تنوّع داخل اللون الواحد- بحيث ظل هناك إلحاح على المعنى نفسه بمرافقة القانون والناي والدف وآلات الإيقاع، وفي الوقت نفسه طرح الصوتُ تنوعاً سمعياً مشوباً بمسحة من الحزن والشجن. ثم انتقل الغناء إلى قوالب الموشحات (من هجرك يا منيتي إني لعليل)، وفي الأثناء انقسم المغنّون إلى مجموعات قدم كلٌّ منها جُمَلاً وألحاناً مغايرة عن سواها، وفق تراتبية ظهرت في سياق فني جمالي لافت. وفي القسم الثاني الذي أُضيفت إليه آلة نفخ من القصب، وآلة وترية تشبه البزق لكنها أصغر حجماً، انطلق المريدون وفق الطريقة المولوية المأخوذة عن تعاليم جلال الدين الرومي، بالدوران من خلال «رقصة الدراويش». وتعدّ عملية إصغاء المريد للموسيقى وهو في حال التجلي هذه، بمثابة رحلة تصاعدية، إذ تهدف الحركات الدائرية إلى تحجيم الأنانية في النفس وإطلاق المحبة، ليعود المريد من رحلته مفعماً بروح جديدة مشبعة بالتسامح أثناء تعامله مع بني جلدته من البشر. عن ماهية هذا الاستعراض الفني، قال المدير الفني لفرقة «قونيا» عمر فاروق: «يمثل القسم الأول من الحفلة جلسة ذكر وفق الطريقة القادرية، بينما تضمّن القسم الثاني رقصة وفق الطريقة المولوية». وعن سبب ذكر الشيخ جلال الدين الرومي في كل مرة تُطلق فيها شخصية الشيخ في جلسة الذكر «رقصة الدراويش»، قال فاروق: «لأن ابن الرومي له المقام الأعلى في الطريقة المولوية». وحول تصميم ملابس الشخصيات الراقصة باللونين الأسود والأبيض أساساً، أوضح مدير الفرقة: «هذا الأداء ليس رقصاً، وإنما طريقة صوفية للتواصل. الأسود يمثل النفس الإنسانية الشيطانية، والأبيض يجسد الروح وهي الشكل الأنقى من النفس الإنسانية. أما الطرابيش فترمز إلى شاهد القبر». ولفت فاروق إلى أن هناك اهتماماً عالمياً بجلال الدين الرومي لأن رسائله «إنسانية تدعو إلى التسامح»، ما ساهم في وصول الفرقة إلى العالمية، على رغم أن النمط الذي تقدم فيه فقراتها يُعَدّ «قديماً» مقارنةً بالأنماط الإبهارية التي تقدمها الفضائيات والمنظومات الإعلامية. وعن غياب العنصر النسائي في هذه الفرجة، قال أحد أعضاء الفرقة: «هذا النمط لا تُقبل فيه النساء، إنه مخصص للرجال، لكن النساء يشاركن في أنماط صوفية أخرى خاصة بهن». وأوضح أن الفرقة تُسمّى «قونيا» نسبة إلى البلدة التي ينتمي أعضاء الفرقة إليها، وهي أيضاً بلدة جلال الدين الرومي نفسه. يشارك في مهرجان الموسيقى الروحانية فرقة «SAGITTARIUS» من فرنسا، وهي متخصصة في موسيقى الباروك، وقدمت عرضها الأول في المركز الثقافي الملكي، والثاني في مادبا جنوب العاصمة، وتضمنت الحفلتان برنامجاً بعنوان «إضاءات من موسيقى الباروك الألمانية». ومن فرنسا أيضاً تقدم فرقة «PERSPECTIVES» عرضها الأول في المركز الملكي الأربعاء المقبل، والثاني في 24 الجاري ويشملان مؤلفات من الموسيقى الروحانية الأوروبية تعود إلى عصر النهضة، كما تقدَّم فيهما الموسيقى الرومانسية والباروك. كما تقدم جوقة «ينبوع المحبة» من الأردن عرضاً في دير اللاتين في الزرقاء في 25 الجاري، يتضمن مجموعة من الأغاني الروحانية المسيحية. ويستضيف المهرجان المغنية السورية وعد أبو حسون في حفلتين اليوم وغداً في عمان، ويستمع الجمهور فيهما إلى أشعار ولاّدة بنت المستكفي، وابن زيدون، ومجنون ليلى، وابن عربي، وجلال الدين الرومي.