عم الحداد أمس، بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سورية التي شيعت أطفالها الستة ومعهم شاب قضوا جميعاً في القصف الذي استهدف البلدة في شكل مفاجئ اول من امس، في وقت اجرى فريق عسكري من الجيش اللبناني تحقيقاً في البلدة لمعرفة مصدر القصف الذي استهدفها بعد تضارب المعلومات في شأنه بين ان يكون سورياً كما جاء في بيان الجيش وبين ان يكون مصدره لبنانياً حيث يصر الأهالي أن بلدتهم «استهدفت من الغرب وليس الشرق». وأعلنت قيادة الجيش لاحقاً «أن نتيجة كشف اللجنة العسكرية المختصة على أمكنة الصواريخ التي سقطت في بلدات: عرسال، رأس بعلبك والفاكهة، تبين أن مصدر إطلاقها المناطق الواقعة شرق بلدة عرسال». واذ عتب اهالي عرسال لعدم اعلان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الحداد على المجزرة التي ارتكبت بحق الاطفال، تداعوا ليل اول من امس، الى اجتماع في البلدية وقرروا الحداد في بلدتهم فاقفلت المدارس والمحلات، ولبست عرسال اللون الاسود وتبادل الناس التعازي قاصدين والدة ووالد الاطفال محمد ومحمود ويارا وعدلا وسمر زاهر الحجيري الذين قضوا دفعة واحدة في قذيفة استهدفت مكان لهوهم وقضى معهم طفل آخر هو عمر عبدالمنعم الحجيري، فيما قضى الشاب حسن عز الدين في قذيفة اخرى. وتحدث اقارب الأم الثكلى والوالد المفجوع انهما حتى الآن لا يصدقان انهما فقدا اولادهم الخمسة وكان قرار دفنهم عصر اول من امس، للتخفيف من فظاعة مشهد الاطفال المسجين امام والديهما، علماً انه بقي للوالدين طفلة واحدة اسمها سحر وهي مصابة ولا تزال في المستشفى تتلقى العلاج. وكانت عرسال أمضت ليل الجمعة - السبت على وقع اصوات القصف العنيف الدائر في المقلب الآخر من الحدود من دون ان تطاولها القذائف. وتراجع القصف قرابة الخامسة فجراً. وسقطت صباح امس، ثلاثة قذائف في بلدة رأس بعلبك لم يعرف مصدرها، وأدت الى اصابة ثلاثة شبان بجروح، وهم: رفعت نصرالله، ادوار شعيب وطوني غانم، نقلوا الى مستشفيي «يونيفرسال 2» و «اللبناني الكندي» في زحلة. وشهدت المنطقة نزوحاً للاهالي الى مناطق أكثر أمناً، فيما أوضح نائب رئيس بلدية عرسال ان المنطقة التي سقطت فيها القذائف هي اراض تابعة لعرسال وتعتبر من جرودها المفتوحة على رأس بعلبك. وأفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» (الرسمية) ان «مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر فتح تحقيقاً في حادثة الصواريخ التي سقطت في بلدة عرسال، وأودت بحياة عدد من الأطفال والأشخاص. وكلف خبيراً عسكرياً تحديد مصدر هذه الصواريخ تمهيداً لإجراء المقتضى». وفي بيروت، أوعز رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى الهيئة العليا للاغاثة للكشف على الاضرار التي حصلت في عرسال بفعل القصف الصاروخي واجراء المقتضى. وكان عثر في الثالثة فجر امس، على جثة صالح كرمبى الذي اختفى من بلدة عرسال منذ سنة، وذلك في خراج البلدة. وفي المواقف، وصف عضو «كتلة المستقبل» النيابية جمال الجراح القصف الصاروخي على عرسال ب «العمل الارهابي الذي يهدف الى دفع الأمور الى مزيد من التعقيد على المستوي السياسي والى مزيد من الاحتقان». وقال لإذاعة «الفجر» أن «ما حصل ليس عبثاً، ولكن هناك نية لإسقاط أكبر عدد من الضحايا الأبرياء»، معتبراً ان «بيان الجيش الذي حمل فيه مسؤولية إطلاق الصواريخ للجانب السوري، كان متسرعاً، خصوصاً ان أهالي عرسال، يؤكدون أن الصواريخ انطلقت من داخل الأراضي اللبنانية». وطالب الدولة ب «تشكيل لجنة عسكرية لتحديد مكان انطلاق الصواريخ بدقة، وإعلانها أمام الرأي العام، ومحاسبة المسؤولين عن هذه المجزرة التي لا يمكن التغاضي عنها». وجدد الجراح «مطالبة الجيش بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات الحادثة التي أدت الى مقتل الشاب مازن أبو عباس» (قتل قبل ايام خلال مداهمة للجيش اللبناني لمنزل كان يتواجد فيه القيادي في كتائب «عبد الله عزام في كامد اللوز في البقاع الغربي)، لافتاً إلى أن «هناك أسئلة حول تصرف القوة المداهمة». واستنكر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن «المصاب الذي ألم ببلدة عرسال». وقال في تصريح: «مجدداً يضرب الإرهاب المتعدد الأوجه لبنان، وهذه المرة أصاب عرسال البلدة الوطنية العريقة، موقعاً الضحايا الأبرياء، ما يزيدنا قناعة بما قلناه مراراً، إن الخطر مسلط على اللبنانيين جميعهم من دون استثناء، من الضاحية الجنوبية إلى الهرمل إلى عرسال، وإلى طرابلس التي يهتز فيها الأمن من جديد، وتتكرر الاشتباكات من دون حل نهائي. وكل ذلك يستدعي البناء على الإيجابيات التي برزت أخيراً في ملف الحكومة، عسى أن يؤسس ذلك لمناخ وطني، يسمح بمواجهة حاسمة لكل أشكال انعدام الأمن، ويفتح الباب لاستقرار سياسي وأمني واجتماعي». وأكد مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان ان صيدا «تشارك عرسال المفجوعة مصابها الأليم بأبنائها الشهداء»، وسأل في تصريح: «لماذا عرسال؟ وفي هذا الوقت بالذات؟ كل هذه الأمور تحتاج منا الى وقفة ضمير حتى نستطيع ان نخرج من هذا المأزق في وطن أصبح الانسان فيه يعاني من كل شيء. اننا امام هذه الفاجعة التي وقعت على اهلنا واخواننا في عرسال نعزي البلدة وأهلها بالشهداء الذين قضوا ونسأل الله الشفاء للجرحى». ورأى اللواء المتقاعد أشرف ريفي أن «ما تعرضت له عرسال الأبية اعتداء مقصود أدى الى سقوط المزيد من الشهداء الأبرار الذين دفعوا ثمن استباحة هيبة الدولة ومغامرة القتال في سورية التي بدأت نتائجها بالظهور عنفاً وفوضى ومزيداً من العبث بأمن لبنان وسلامه». وقال في بيان: «إن هذا الاعتداء المشبوه كما تفجير الهرمل الإرهابي، يستوجبان إلاحالة على المجلس العدلي كما يفترضان القيام بتحقيق شفاف لكشف المسؤولين والمتورطين، باعتبار أن ما حصل يمس الأمن الوطني بالصميم ويهدف الى تأجيج الفتنة».