صور فوتوغرافية تتداخل تفاصيلها مع خطوط كثيرة مرسومة بعفوية على سطح الورق. كتابات بخط اليد، تأشيرات وعلامات، نقاط كثيرة تتوزع عشوائياً على سطح العمل. عناصر كثيرة تزدحم بها المساحة تتقاطع وتتوزع على طبقتين، تشف الأولى عما تحتها داخل إطار مضيء ووسط حجرة خافتة الإضاءة. تتوزع الإطارات المضيئة على جدران الحجرة تاركة مساحة من البوح والذكريات. هي صور الذاكرة بما تحويه وما يعتمل داخلها من علامات تصورها الفنانة المصرية إيمان نبيل في معرضها المُقام حالياً في «مركز الجزيرة للفنون» في القاهرة تحت عنوان «معالم». وهي تنطلق في تلك التجربة من رؤية ذاتية لمحيطيها البصري والاجتماعي اللذين يشكلان معاً مجمل الصور البصرية المختزنة لديها. ومن خلال مجموعة الصور الفوتوغرافية التي انتقتها بعناية، تحاول الفنانة إشراكنا في عالمها الخاص، تُقحمنا في تفاصيله الصغيرة وشخوصه وأحداثه. صور العائلة، الأصدقاء، سردها الشخصي وتعليقاتها على تلك الذكريات والأحداث التي مرت. صور قديمة ووجوه مألوفة تتقاطع بشكل ما مع ما نحمله نحن أيضاً في ذاكرتنا من ملامح لأشخاص قريبين أو غرباء عنا. تشتبك الكلمات المكتوبة بخط اليد بعضها مع بعض، كما تشتبك مع الصور والوجوه المألوفة مشكلة ذلك النسيج الحيادي المشكّل من التفاصيل. مشهد محتدم بالمفردات والعناصر والخطوط المتقاطعة، أشبه ما يكون بالخريطة أو علامات الاسترشاد... حياد اللون المسيطر على المشهد يشي بانتماء هذا المزيج البصري من المفردات والعناصر الكثيرة إلى الذاكرة الخاصة بالفنانة. ذاكرة شخصية تحاول الاسترشاد بمخزونها البصري وتتبع النقاط الرئيسة لديها. قد تشكل الوجوه والملامح عاملاً مساعداً لنا في رحلة البحث عن تلك المعالم التائهة في دروب الذاكرة. وتمثل هذه الملامح المطبوعة بالأبيض والأسود مرجعاً لنا نحن أيضاً حين نريد العودة إلى ذواتنا أو ذكرياتنا. خيارات كثيرة تقدمها لنا تلك التجربة البصرية للفنانة إيمان نبيل وهي تفتح أبواب الذاكرة على مصاريعها، مشكلة تلك الخريطة الموزعة على إطارات صغيرة معلقة على جدران القاعة. تدفعنا إلى تتبع هذه الخيوط المنفلتة من الذاكرة الشخصية لدينا. ترسم لنا طريقاً للبحث عن هذه النقاط الفاصلة في حياتنا وذكرياتنا وتجاربنا الشخصية. فالذاكرة ما هي إلا أرشيف كامل من الصور البصرية، من الوجوه والملامح والعلاقات المعقدة. وتحاول تلك التجربة أن ترسم صورة مادية لذلك الأرشيف البصري، وأن تجسد كل هذه التشابكات التي لا حصر لها داخل تلك المساحة الصغيرة المضيئة. تقول إيمان نبيل: «تصنع الخرائط من المعالم والنقاط المختلفة مثل النصب والمباني والإنشاءات أو أي شيء يمكن التعرف إليه بسهولة ويساعد على التوجيه في بيئة مألوفة أو غير مألوفة. لكن عقولنا تصنع خرائطها الخاصة مرتكزة على معالم مختلفة، فالمعالم هنا لا تتسم بالشهرة ولا ينبغي أن تكون معلومة للآخرين لأنها تستند إلى تجربة الإنسان الخاصة مع أشخاص وأماكن يتعامل ويتفاعل معهم ومعها على مدار حياته، فتنطبع في ذاكرته هذه المعالم». وتضيف: «هنا لا توجه تحركاتنا بقدر ما توجه اختياراتنا وأهدافنا ورغباتنا وشكل تفاعلنا مع الآخر». إيمان نبيل فنانة تشكيلية ومنسقة برامج فنية وثقافية. تقيم في القاهرة ولها العديد من المشاركات والنشاطات. تعمل في مجال الإدارة الثقافية منذ عام 2005، وهي تحمل درجة الماجستير من كلية التربية الفنية. شاركت في تنظيم نشاطات كثيرة مع العديد من المؤسسات والمجموعات والفنانين المستقلين، وهي تهتم في أعمالها بشكل عام بمفهوم شمولية الفنون والإبداع وعلاقته المباشرة بالشارع والناس.