البكاء غالباً ما تعرف به النساء أكثر من الرجال، لرقتهن وعواطفهن الشفافة المليئة بالحب والحنان والرحمة، وهذه سمة مميزة لهن، ومن نقاط قوتهن. والبكاء أنواع، وفي غالب الأمر يربطه الناس بالأتراح والأحزان، وهذا هو النوع الأول. أما النوع الآخر فهو دموع الفرح، وهذه تكون في المواقف العاطفية التي تجتاح النفس الانسانية في مواقف لقاء الأهل والأحبة، وربما في بعض المواقف المليئة بالرحمة والرقي الإنساني. وأصعب أنواع البكاء هو بكاء الرجال، لأن الرجل في طبعه يكبت أحزانه في سريرته، لأن غالبية الناس يعتقدون، خطأً، بأن البكاء يتناقض مع الرجولة، وهذا مفهوم خاطئ عن الرجولة، فالرجل يضحك ويبكي ويصرخ في بعض المواقف، وهذه كلها لا تتناقض مع الرجولة. قبل أيام كنت أتابع اتصالاً هاتفياً من أحد المعتقلين العراقيين في سجن الكاظمية المرعب في شمال بغداد مع إحدى القنوات الفضائية، وحينما قدم الرجل نفسه على أنه معتقل في هذا السجن لم يتمالك نفسه، وبقي يبكي بحرقة طيلة الاتصال، الذي استمر لأكثر من دقيقتين، وأكد أن القائمين على السجن يغتصبون الرجال، ويمارسون بحقهم كافة أنواع الظلم والضرب والإهانة والتعذيب الجسدي والنفسي، وناشد في اتصاله الشرفاء من العراقيين والعرب أن ينقذوهم من هذا الموت البطيء، وأكد أن إدارة السجن قررت إعدام خمسة معتقلين من مدينة البصرة، وستنفذ في حقهم أحكام الإعدام بعد خمسة أيام. وقبل يومين سربت بعض وسائل الإعلام فيلماً مصوراً عبر الهاتف المحمول من داخل سجن أبو غريب السيئ الصيت، ويظهر فيه عنصر من قوات «سوات» التابعة لرئيس الحكومة، يرتدي الزي الأسود، ويتناوب على ضرب ثلاثة معتقلين مكبلين بعصا غليظة في أماكن دقيقة على العمود الفقري، وهذه الضربات الدقيقة، ربما تُسبب شللاً نصفياً، أو تاماً، ثم يأتي عنصر آخر ويركل أحد المعتقلين برجله، وتظهر على حركاتهم صور التشفي والتنمر على معتقلين عزل لا حول لهم ولا قوة، وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع من أغلب ساسة البلاد الذين أذاقوا العراقيين أبشع صور الذل والإهانة والإرهاب والتخويف في داخل البلاد وخارجها! هذه الصور المؤلمة هي جزء من مشاهد الذل والإرهاب المستمرة في بلاد الرافدين. وقد جاءت في وقت أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر يوم 11/3/2013 بعنوان «عقد من الانتهاكات»، أن «حالات التعذيب في السجون العراقية مازالت مستمرة، على الرغم من مرور عشر سنوات على سقوط نظام صدام حسين». وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، حسيبة الحاج صحراوي، إن «التقرير يعرض بشكل واضح لعمليات التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين على أيدي قوات الأمن العراقية والقوات الأجنبية منذ عام 2003، وإن السلطات العراقية عاجزة عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة التي تستهين بحياة المدنيين، وأن المكتسبات الأساسية لحقوق الإنسان، التي كان ينبغي تحقيقها خلال العقد المنصرم، فشلت فشلاً ذريعاً في أن تتحقق على أرض الواقع، وأن الحكومة العراقية وقوى الاحتلال لم تلتزم بمعايير القانون الدولي، ولا يزال الشعب العراقي يدفع ثمناً باهظاً لفشلهما، وأن تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين كان واحداً من أكثر السمات ثباتاً وتفشياً في المشهد العراقي». هذه شهادة منظمة دولية محايدة، فهل هؤلاء لهم مصلحة في تشويه سمعة الحكومة وأتباعها؟! ما يجري في داخل المعتقلات السرية والعلنية وفي عموم الشارع العراقي، يبرر استمرار التظاهرات والاعتصامات في أكثر من ست محافظات، والتي أكد المشاركون فيها أنهم لن يتراجعوا، ولن يعودوا إلى منازلهم إلا بعد تحقيق مطالبهم المشروعة.