سأتحدث عن الديبلوماسية، لكن لا تستعجلوا الحكم، فأنا لن أتحدث عن ديبلوماسيينا في الخارج ولا عن أعمارهم إطلاقاً. لكني سأتحدث عن الديبلوماسيين الألمانيين اللذين تعرضت سيارتهما لإطلاق نار في العوامية عندما كانا في طريقهما في غير مهمة رسمية «من الشرق إلى الغرب»! التصريحات التي صدرت عن السفارة الألمانية أعتبرها فاكهة الموسم، فهي من جانب توضح إلى أية درجة وصل حجم التسامح الألماني غير المعهود مع الحادثة، إذ يقول نائب السفير الألماني إن الحادثة «عرضية»! هل قال «عرضية»؟ لم أهضم عرضيتهم هذه، فالبلدة تشهد نشاطاً ملحوظاً لعصابات مسلحة تسعى لإشاعة الفوضى، وتعمل وفق أجندة ليست خافية على أحد، وتهدف أيضاً إلى زعزعة الاستقرار. إذاً، كيف لنا أن نستوعب تلك «العرضية» التي يتكلم عنها نائب السفير، بخلاف أن البلدة معروف عنها أزقتها الضيقة التي يمكن تمييز السيارات فيها بسهولة، لاسيما تلك العابرة من «الشرق إلى الغرب». شخصياً لم أستوعب تلك اللهجة الإنسانية المتسامحة مع «مجرمين» ما لم تكن السفارة تلقت اعتذاراً من تلك العصابات يفيد بأن إطلاق النار كان «عرضياً»، وأن بعض «الإخوة» اشتبه الأمر عليهم، فأمطروا السيارة الديبلوماسية بوابل من الرصاص، وأحرقوها من دون قصد منهم، ولا نستبعد أن يكونوا ختموها ب«والله من وراء القصد»، وسبب هذه الفرضية أخلاقي في المقام الأول، فليس وارداً أن يبرر المعتدى عليه الاعتداء ما لم يكن متفهماً لدوافعه، وحتى هنا تخلت السفارة عن ديبلوماسيتها، وأيضاً عن اللباقة، إذ إن نائب السفير نفسه يقول إنهم ينتظرون ما ستسفر عنه التحقيقات التي تجريها السلطات السعودية. السؤال هنا: «كيف عرف أن الحادثة عرضية وليست مقصودة»؟ حسناً، فلنترك ذلك التساؤل جانباً لعدم إحراج الضيوف، لكنَّ هناك ناحية أهم وسؤالاً أبرز لا يزال مطروحاً.. ماذا كان الديبلوماسيان الألمانيان يفعلان في العوامية؟ السفير الألماني عدها زيارة طبيعية في تصريح لصحيفة مكةالمكرمة، لكن نائبه برّر ذلك في تصريح ل«الحياة» بأن الديبلوماسيين كانا في طريقهما من الشرق إلى الغرب، ولعمري هذا أبلغ رد سمعته في حياتي، ففي هذه الإجابة نكهة رضوخ للثقافة العربية التي تهتم بالاتجاهات الأربعة، لكنني على رغم ذلك لا أعلم أي شرق أو غرب يقصده نائب السفير الألماني. لا شك في أن علامات استفهام تحيط بالوجود المشبوه للديبلوماسيين الألمانيين في العوامية، قد نتجاهل الأمر إن أردنا، لكن ذلك ليس من الصواب، فالمعلومات الواردة من العوامية تختلف عن رواية نائب السفير، إذ تشير مصادر هناك إلى أن الديبلوماسيين كانا على موعد مع عدد من المخربين، والتقيا عدداً من المطلوبين، وبخلاف تلك الأنباء، فقد وردت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات لبعض أبواق أولئك المخربين، قام مغردون بجمعها، تفيد بأن مهرجاناً خطابياً بغرض تأييد المعتقل نمر النمر سيستضيف وكالات أنباء غربية وديبلوماسيين أجانب وعدوا بالحضور. إن صح أن الديبلوماسيين التقيا مطلوبين للداخلية، ونسقّا للمشاركة في ملتقيات لدعم النمر، ونسقّا مع أولئك المخربين الذين ثبتت عمالتهم وخيانتهم لوطنهم لمشاركتهم، فهذا مؤشر يحمل دلالات خطرة تنبغي مواجهتها، ولكن لا يصعب تفسيرها. وكنا سنكتفي برواية السفارة الألمانية، لكن الحدث وقع في بقعة لا علاقة لها بالشرق ولا الغرب، ولا يمكن الوصول إليها إلا لمن قصدها، وهي بلدة تشهد سعياً لإشاعة الفوضى على يد عصابات، تنفيذاً لسياسات وأجندات إيرانية تم الإعلان عنها رسمياً غير مرة، ويحاكم بعض رموزها ومن لهم علاقة بها في محاكمات علنية، بخلاف أنها بلدة يتحاشاها حتى أبناء القطيف أنفسهم خوفاً من تلك العصابات، وبالتالي وأمام تلك الوقائع، لن يكون مقنعاً لنا ما تم ذكره، بل المقنع هو إدانة الأعمال التخريبية وحالات الاعتداء على الممتلكات العامة ورجال الأمن، لاسيما أنهم أيضاً يتعرضون لهجمات مماثلة، وهم في طريقهم من الشرق إلى الغرب! * كاتب وصحافي سعودي.