مزّق ورقة بيضاء. اقترب من حافة المسرح. ألقى نُثَر الورق في وجه الجمهور. «مَنْ يجرؤ على هزيمة ورقة ممزّقة؟ مَنْ يستطيع شنّ هجوم عليها أصلاً»؟ ذلك كان مِثاله عن الخلاصة المُستفادة معلوماتيّاً من عصر الورق: إذا توزّعت المعلومات (مع تشفيرها بالطبع) على نُثَرٍ صغيرة، وتفرّقت في أمكنة مُتباعدة، يغدو أَمنها شديد القوّة، بل تستعصي على أن تشّن هجمات عليها. دعّم البروفسور البريطاني بيتر كوكران ورقته المُمزّقة بعرض شرائح ضوئيّة «باور بوينت»، تصدّرته شريحة ملوّنة لكومة من الإبر الدقيقة، وقربها عنوان يقول: «العثور على الإبر في أكوام من الإبر- الملامح المستقبليّة في الأمن المعلوماتي» Finding Needles in Needle Stacks or The Future Aspects of Cyber Security. ومن الواضح أن هذه الشريحة تكرّر عبر عنوانها وصورة الإبر المُكوّمَة، الخلاصة التي أبرزها كوكران في تمزيق ورقة ونثرها في الهواء. تقول الخلاصة أن توزيع المعلومات قطعاً صغيرة، وتخزينها في أمكنة متفرّقة، يجعل من الصعب تماماً الوصول إليها لسرقتها أوتخريبها. الإبر وأكوامها وألوانها خلال الجلسة التي أدارها البروفسور الأردني كارم سقا الله في «مؤتمر مؤسسة قطر السنوي للبحوث»، أظهر كوكران الميّال للسخرية والمرح، صوراً أخرى تعبّر عن أفكاره المتطوّرة عن الأمن المعلوماتي في الأزمنة الحاضرة. وأبرز شريحة ضوئية لفتاة صغيرة ترتدي ثوباً طفوليّاً أبيض، وتحمل بيدها حفّارة كهربائية صنعت بها ثغرة في جدار قوي، مع عبارة تقول: «لا شيء أسهل من اختراق معظم المؤسسات والشركات». واستطراداً، رأى كوكران أن «حوسبة السحاب» التي تضع بيانات المستخدم على الانترنت بصورة متوزّعة، هي من السبل الأساسيّة في حماية المعلومات. ولكن، لم يخل الأمر من ظهور تحفّظات عن وجهة نظره، بعضها هُمس به همساً. عندما مزّق كوكران الورقة ونثرها، تذكّر بعضهم ما حصل عليه الإيرانيون من معلومات من الأوراق الممزّقة بالآلات في السفارة الأميركية في طهران 1979. وعندما ظهرت صورة أكوام الإبر، همس ضيف أجنبي، وهو خبير معلوماتيّة أيضاً، بشبه وشوشة: «حسناً. ماذا لو كان للإبرة لون خاص بين أنواع الإبر كلها؟». من المستطاع الوصول الى النصّ الكامل لهذه المداخلة، وكذلك الكثير من أعمال البروفسور بيتر كوكران، على موقعه على الانترنت «كوكران.أورغ.يوكيه» cochrane.org.uk