لم يكلف نفسه عناء البحث عن ورقة، أخرج ورقة نقدية من فئة الخمسمئة ريال، وكتب عليها طلبات ليجلبها طفله من البقال. صاحب الدكان نظر مطولاً في العملة المكتوب عليها بقلم حبر أزرق، وقدم للطفل الطلبات، أدخلها في درجه المخصص للمال، وهو يفكر «سيدخلها وسط عملات ورقية أخرى ولن يدرك ذلك التاجر المورد». هذا ما يحدث هنا في اليمن، غير أن تلك العملات المكتوب عليها قد تكون جزءاً من راتب موظف اعتاد أن يتسلم راتبه عبر البريد أو حتى من مؤسسته، أو تُهدى لطفل في مناسبة ما، ويتوقع أن تكون جزءاً من مهر عروس تستعد لزواجها. في كل الأحوال هي عملات لم تعد قابلة للتداول، قانوناً، لكن المعاملات المالية اليومية تتم بها، ونادراً ما تجد أحدهم يعترض عليها أو يرفض قبضها، إلا إذا كانت مهترئة للغاية أو ممزقة وأعيد تلحيمها بلاصق شفاف. اليمنيون، بسلوكات كهذه، لا يدركون أنهم يقلّلون من احترام عملاتهم الوطنية، ويفقدونها قيمتها، ذلك أن جلّهم لا يمتلكون مَحافظ لحفظ النقود، وتجد أحدهم يخرج عملاته الورقية أو المعدن من جيب سترته لا من داخل محفظته، حال دفع الحساب في أي مكان. كما أن كثيرين لا يؤمنون بإيداع أموالهم في البنوك، وغالباً ما يفتحون حسابات لأن ظروف عملهم فرضت عليهم ذلك، أو لأن أعمالهم ارتبطت بمعاملات مع شركاء خارج اليمن، لذا فالاحتفاظ بالأموال يكون في المنازل ما يعرضها للتلف بخاصة إذا حفظت في حقائب حديد معدة في الأساس للملابس، أو في أكياس مصنوعة من الخيش!. وإذا كانت الغالبية الساحقة تستخف بالعملة، إلاّ أن هناك مَن يحاول أن يحفظ نقوده، بخاصة الورقية، بصورة جيدة، لكنه لن ينجو من أن يضطر يوماً ما للتعامل بأموال مستخدمة بصورة غير لائقة، كأن يكون مكتوباً عليها أو ممزقة أو حتى أعيد لمّ مزقها بلاصق يُشترى خصيصاً لهذا الغرض «إعادة ترميم الأموال الممزقة». فالنساء اليمنيات يحتفظن بأموالهن في محافظ نسائية، سواء كن موظفات أم طالبات، وقد تجد أحداهن تخصص محفظة صغيرة للعملات المعدنية، وأخرى للورقية، لكن من النادر جداً أن تجد شاباً أو رجلاً كبيراً يهتم بعملاته بهذه الطريقة، فجيوب سترته وجيوب بنطاله مستودع آمن لإيجادها في أي لحظة، من دون الاهتمام بأن يؤثر ذلك عليها أو يفكر في حمايتها من التمزق والتلف. القانون اليمني لا يجرّم العبث بالعملة الوطنية، والبنك المركزي، وبحسب قانونه ملزم باستبدال العملات التالفة، شرط أن يكون تلفها نتيجة الاستخدام اليومي، ويمكنه الامتناع عن دفع قيمة العملة في حال حصول عبث متعمد، وينص على ذلك في المادتين 26 و27 من القانون رقم 14 الصادر عام 2000. وأن كان هذا القانون لا ينص على عقاب على من يتعمد تشويه العملات الوطنية، إلاّ أنه يمنح البنك المركزي اليمني حق الامتناع عن دفع قيمة العملات التي وقع عبث متعمد عليها. ويأتي ذلك في النص التالي: «يتحمل البنك دفع قيمة أية أوراق نقدية أو عملات تعرضت للتلف نتيجة الاستهلاك والتداول اليومي وللبنك في حالة حصول عبث متعمد الامتناع عن دفع قيمة العملة». وينص القانون ذاته على أن العبث بالعملة المعدنية يكون في أن ينقص حجمها أو وزنها، مستثنياً من ذلك الاستهلاك المعتاد، ويعتبر عبثاً كل تشويه أو حفر أو ختم أو ثقب ولو لم يؤد ذلك إلى إنقاص وزنها أو حجمها.