خرجت من المحل النسائي الذي يقدم خدمات تجميلية للنساء بأسعار غالية، صحيح أن الوقت كان مساء، لكني لم أكن أحجب وجهي، ما يعني أن هويتي كانت واضحة للشاب الواقف ينتظر خارج الصالون، حالما خرجت ركض نحوي قائلاً: «ندى، هذه هي النقود التي طلبتيها»، ثم مدها لي. قلت له: «أنت غلطان يا خوي»، قال: «آسف». بعدي خرجت فتاة تغطي وجهها وخطفت من يده النقود ثم عادت، أخذت أراقب الشاب وهو يركب سيارته المتواضعة وأنا أقول في نفسي، يبدو أنني شاهدت قصة حقيقية ل «الخروف السعودي»، وهي الظاهرة التي صارت محل تندّر هذه الأيام بين الشبان والشابات، ومحل تسليط ضوء إعلامي ومحاولة معرفة ما هي أبعاد ظاهرة «الخرفنة». في كل مجتمع من المجتمعات البشرية وفي العلاقات البشرية إنسان انتهازي يستغل حاجة آخر، إما للتقدير أو للحب أو للرعاية أو للترفيه، فلا يقدم له هذه الحاجة من دون أن يقبض في مقابلها مالاً. اليوم هذا النوع من السلوكيات بدأ يظهر ويتزايد بين جيل الشباب من دون أن يأخذ مسماه الحقيقي، بل وأصبح شكلاً من الدعارة الرومانسية، ما أصبح يهدد مفاهيم حقيقية بين الشباب، كالحب والصدق والنزاهة والشرف، السبب يعود إلى أن هذا الجيل نشأ في ثقافة استهلاكية بحتة، وبعضهم نشأ في عائلة عاطفية، لم تعلمه سوى أن يكون أنانياً ووقحاً في تحقيق مطالبه، وبلا منظومة أخلاقية قوية. فالمنظومة الثقافية لدينا قائمة على الحلال والحرام، الطالب في المدرسة لا يتعلم أهمية الصدق والأمانة والشرف والنزاهة والكرامة واحترام الذات، بل يتعلم فقط، ما هي أنواع الكفر وأنواع الشرك، وما الحرام وما هو الحلال، ولا تدخل هذه القيم الأخلاقية من باب أنها حلال أو حرام، فهذه الأخلاق كي نتعلمها يجب أن تأتي في سياق نتائجها على الفرد والمجتمع، ومن هنا يصبح حكمها حراماً. عندما سألت لماذا يطلقون على الشاب المستغَل مادياً في مقابل علاقة مع فتاة «الخروف»، قالوا لي ربما السبب أن الخروف هو المنقاد، والخروف هو من ينقاد حتى لامرأة، وهذه أبرز معالم العار التي يقع فيها رجل في مجتمعنا. بعض الشبان الذين تحدثت معهم عن هذه الظاهرة كانوا يظنون أنهم يقيمون علاقة تعارف أكثر منها شيئاً آخر، فتقوم الفتاة بتسخير كل حركات وسكنات هذه العلاقة من أجل سحب المال منه، وقد لا تطلب المال في شكل مباشر، بل على شكل هدايا أو مساعدات أو سلف على شكل طوارئ، وحتى الشاب الذي لا يملك مالاً فإن الفتاة قد تقصر طلبها على رصيد شحن هاتف حتى تمضي معه ربع المدة التي شحن بها هاتفها. هذه الظاهرة موجودة في كل مكان، لكنها لم تكن موجودة لدينا من قبل إلا نادراً، وينظر إليها على أنها شكل منحط. اليوم بعض الفتيات لا يجدن أي حرج في أن يطلبن مالاً من شاب، والشاب الذي تعوّد أن يقدم هذا النوع من المال يظن أنه هو مَن يضحك على الفتاة، أو أنه يستعرض قوته في توفير ما تحتاج إليه فتاته. النموذج الاستهلاكي الذي وُجد فيه اليوم جيل الشباب منذ طفولتهم جعلهم يرون أن الكماليات ضرورة، فكل فتاة تظن أنها يجب أن يكون في يدها هاتف من أحدث الطرز، وحقيبة «لوفيتون» أو «غوتشي»، والفتاة التي تجد من يؤمّن لها مطالبها هي الذكية والشقية، والشاب الذي يتسامح مع هذه الطلبات يعرف أنه لا يدخل في علاقة جادة، لكنه مستعد لجميع المطالب طالما هي تؤمّن له مصدراً عاطفياً أو نفسياً، وتجعله بين زملائه بطلاً. لا ضرورة أن أحمل على هذا النوع من العلاقات أو أدينها، لأنها كما هي تدين ذاتها، و«هاردلك خروف». الخلل الذي يحدث في ظاهرة «الخرفنة» ليس جديداً، فالخلل حدث من قبل في ذهنية الاستهلاك البائسة وفي تعليم خالٍ من المضمون الذي يشدد على قيمة الإنسان وكرامته واحترامه لنفسه، بعيداً من مظاهر الحياة المادية. و«هاردلك يا خروف». [email protected]