كشفت مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة»، أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالتعاون مع روسيا والصين، ستمارس ضغطاً على الأطراف اللبنانيين في آذار المقبل من أجل انتخاب رئيس للجمهورية وعدم التسبب في فراغ في هذا المنصب، والتشديد على أن انتخاب رئيس له أهمية أكبر من تشكيل الحكومة لرمزية الموقع، وأيضاً لأنه الانتخاب الأول لرئيس عبر فرقاء البلد في داخله منذ زمن طويل. وأكدت المصادر أن ذلك يعني أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لن تتدخل في أي اسم لأي مرشح، لأنها تعتبر أنه شأن لبناني بحت. وتنوي هذه الدول دفع الأطراف الأساسيين المختلفين للتوصل إلى تسوية لتجنب الفراغ الرئاسي. وقالت هذه المصادر إن وحدها باريس تتحاور مع «حزب الله». وهي ستتولى مع الدول الاخرى وروسيا والصين التحاور حول موضوع الرئاسة في هذا الإطار، خصوصاً أن روسيا والصين وقعتا في مجلس الأمن على مبدأ اتفاق بعبدا عندما أطلق الدعم الدولي للبنان في مجلس الأمن في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي. وقالت المصادر إن الوضع الخطير في لبنان يتطلب ذلك، لأنه لن يكون هناك دوحة أو أي مكان آخر للدفع إلى انتخاب رئاسي. وستعمل هذه الدول على تقديم المزيد من الدعم إلى الجيش اللبناني خلال الأشهر الثلاثة المقبلة للتصدي بقدر الإمكان للمخاطر. وترى هذه الدول أن الجيش تحسن أداؤه المحلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة بشكل كبير، على رغم ما يحدث من تفجيرات أمنية. وفي نظر هذه المصادر أن الجيش حصل على معدات وتدريب أفضل من قبل الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتفاق الجديد السعودي - الفرنسي - اللبناني لدعم الجيش من شأنه أن يقوي وضعه. ولكن هذه المصادر ترى وجوب العمل على عدم السماح لمشكلة اللاجئين السوريين أن تنفجر في لبنان. وترى المصادر أن انتخاب الرئيس يمكن أن يحل المشاكل السياسية الجانبية لأن الأطراف الآن مشلولون ويتمسكون بأوراقهم حتى لحظة انتخاب الرئيس. وتعتبر أن انتخاب الرئيس والحكومة هو ضمن صفقة ينبغي أن تتم بين الأطراف في لبنان وليس في باريس أو الدوحة أو أي مكان آخر. وتلفت إلى أن اغتيال الوزير السابق محمد شطح يدخل في سلسلة الجرائم التي ارتكبها حلفاء سورية في لبنان وتفجير الضاحية هو أيضاً في إطار الصراع السوري في نظر هذه المصادر. وبالنسبة إلى الرئاسة، تعتبر المصادر أن فضل النتائج تكون في انتخاب رئيس قوي ومستقل، ولكن إذا تعذر ذلك يكون الخيار الثاني الاتفاق على رئيس توافقي والثالث انتخاب رئيس ليس بالمستوى المطلوب، وهذا لو حدث أفضل من الفراغ. ويقول المصادر إنه إذا قرر الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة تشكيل حكومة حيادية سيتم دعمها وإن لم تشجع هذه الدول الرئيسين على تشكيلها. تعتقد المصادر أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مهمة جداً، وأن المزيد من البراهين الأساسية حول قرار اغتيال رفيق الحريري ستظهر عندما يسقط نظام بشار الأسد وفريقه. إلى ذلك قال مصدر فرنسي مطلع على الملف اللبناني ل «الحياة»، إن منذ أشهر تعمل فرنسا مع السعودية للتوصل إلى تأمين دعم للبنان. ورأى المصدر أن مساعدة السعودية للجيش اللبناني أمر جيد. وفي الشأن الحكومي أوضح المصدر أن باريس لا تتدخل بتشجيع أي نوع من الحكومات في لبنان ولكنها تتمنى للبنان حكومة يمكنها اتخاذ قرارات وضمان استمرارية المؤسسات والانتخابات الرئاسية على أن تجري في موعدها. وقال إن باريس لم تكن يوماً مع التمديد للرئيس على رغم ما أشيع عن ذلك. وأوضح المصدر أنه عندما يقرر الرئيس توقيع مرسوم تشكيل حكومة، فهذه تمثل على الصعيد التقني قرار لبنان، ثم إذا لم تحصل هذه الحكومة على الثقة فتصبح هي حكومة تصريف الأعمال بدل حكومة تصريف الأعمال الحالية، وهذا لا تريده قوى 8 آذار، ولكن باريس لم تقل إنها تؤيد ذلك إلا انها تؤيد فقط حكومة بإمكانها اتخاذ قرارات، والأفضل طبعاً أن تكون مقبولة من الجميع، فهذه صيغة مفضلة، لكن باريس لن تقول للبنانيين افعلوا هذا أو ذاك، فهو قرار لبناني بحت وهو موقف ثابت، وباريس ترى أيضاً أن كل العوامل التي تحدد مواقف الأطراف اللبنانيين اليوم تختصر بموعد انتخاب الرئيس لأنه إذا حدث فراغ ستملأه الحكومة، فأي حكومة ستضمن استمرارية المؤسسات وهناك احتمال كبير في الظروف الحالية إلا يكون هناك انتخاب رئاسي. وترى باريس أن على اللبنانيين أن يدركوا أهمية أن يكون هناك رئيس منتخب، لكن يظهر أن هذه الفكرة ليست مشتركة لدى جميع الأطراف حتى لو أن سفير إيران قال انه يؤيد الرئيس سليمان، أضاف المصدر، معتبراً أنه ينبغي دعم المؤسسات وليس حزب سياسي معين، ومشيراً إلى انزعاج البعض في لبنان من الموقف السعودي ودعمه للبنان فيشن حملة على باريس والسعودية التي تعمل من أجل مؤسسة من مؤسسات الدولة وليس من أجل حزب في دعمها للجيش. وأشار المصدر إلى أن لدى باريس اختلافات مع «حزب الله» في ما يخص حربه في سورية وأيضاً بالنسبة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ولكنها على رغم ذلك ترى أنه لاعب مهم على الساحة اللبنانية ودعم الجيش ليس ضده، وقد شرح ذلك الجانب الفرنسي في بيروت للحزب. وقال المصدر الفرنسي إن الدول المهتمة بلبنان تريد العمل مع أوسع شبكة دولية معنية في الوضع في لبنان من أجل الانتخاب الرئاسي والحل الأمثل في نظر باريس أن تشارك السعودية وإيران في هذه الجهود للقول إنه يجب انتخاب رئيس في لبنان من دون التدخل في اسم رئيس. وأضاف أن باريس تريد أن يتوحد المسيحيون في لبنان لهذا الهدف. ومن المتوقع أن تزور بعثة فرنسية رفيعة المستوى بيروت في الشهر الجاري للتحاور مع القيادات المسيحية في هذا الشان وللقول لهم أن يتجنبوا أن يكونوا ضحايا الصراع السني- الشيعي، مثلما يحدث الآن بانقساماتهم التى تجعلهم سجناء هذه المعادلة. وترى باريس، وفق المصدر، أنه لو توحدت القيادات المسيحية للقول إنه ينبغي أن يكون هناك انتخاب رئاسي فهذا يغير الأمور. إضافة إلى أن باريس ستعمل مع الدول الخمس الدائمة العضوية من أجل التعبئة لتنبيه القيادات اللبنانية حول مخاطر عدم إجراء انتخاب رئاسي. وباريس لا تقول إنه يجب أن يكون هناك مرشح رئاسي انتخابي، بل أن يتم انتخاب الرئيس من البرلمان، وبالإمكان أن تكون هناك غالبية لانتخاب رئيس لو اتحد المسيحيون في البرلمان، فهذا هو الدستور وهو ما تقوله باريس للمسيحيين وهذه النصيحة التي سيحملها الفريق الفرنسي الذي سيزور لبنان في الأسابيع المقبلة لحث الأطراف على عدم التخلي عن انتخاب رئيس.