مهما قيل من كلمات لا يمكن التعبير عن مدى سوء الأوضاع الصحّية للنازحين السوريين في المخيّمات «البدائية» المنتشرة في لبنان، خصوصاً في البقاع وعكّار ومناطق جنوبية. فكلّما ارتفع عدد النازحين، زادت الأخطار الصحّية المحيطة بهم والتي لا تفرّق بين كهل وطفل. وعلى رغم محاولة وزارة الصحّة بالتعاون مع منظّمة «يونيسف» إطلاق مشاريع لحماية النازحين أقلّه من الناحية الصحّية، لم ينفع ذلك في رفع الخطر عنهم لأنّ المشكلة الرئيسة تكمن في المخيّم وطريقة إنشائه والظروف الصحّية اليومية التي يعيش فيها النازحون، وهذه قضايا لم يتمّ التوصّل إلى أي حلّ لها بعد. ففي جولة ل «الحياة» على مخيّمات أنشئت في محافظة البقاع، كان واضحاً أنّ المشكلة تجاوزت الخطوط الحمر، والكوارث الصحّية وصلت إلى نقطة اللاعودة. فكيف يمكن أن يكون الوضع مختلفاً مع تجاور خيم النازحين والمجارير الصحّية التي تحوم فيها مختلف أنواع الحشرات ويضطر الأطفال إلى الغوص بها يومياً ليصلوا إلى خيمهم؟ أكثر من ذلك، فإنّ الازدحام الكبير في المخيّمات يزيد من الأخطار الصحّية، حيث ينام أكثر من عشرة أشخاص يومياً في خيمة لا تسع لأربعة كحدّ أقصى. فعندها يكفي لشخص واحد أن يُصاب بأي مرض معدٍ ليتمّ تناقله خلال فترة قصيرة جداً ويتحوّل إلى وباء بين النازحين. تُضاف إلى ذلك ظروف الطبخ والغسيل التي لا تراعي أياً من معايير السلامة، حيث يعبئ النازحون الماء من مصادر غير نظيفة أو معقّمة، ما يؤثر مباشرة في الغذاء والنظافة. وفي هذا السياق، تقول النازحة فاطمة إنّها تحاول قدر الإمكان تنظيف الخيمة والاهتمام بنظافة أولادها السبعة، لكن لا ظروف مساعدة أبداً، فكلّ ما يحيط بهم يُعتبر مصدراً للأمراض. مضاعفات خطيرة حتّى اليوم، سجّلت وزارة الصحّة في لبنان وجود حالات مرضية تنتشر بين النازحين ومنها السلّ، حبة حلب، التهاب الكبد الوبائي والجرب. وقد سبق للوزارة أن دقّت ناقوس الخطر في ما يتعلّق بانتشار الأوبئة بين النازحين، لكنّها لا تستطيع أن تحصر الحالات في شكل كامل نتيجة الظروف الصعبة للدراسات. لكن المعاينة الميدانية للمخيّمات تؤكد وجود حالات أخرى لها مضاعفات خطيرة ومنها الانتشار الكبير للقمل، خصوصاً بين الأطفال، فأطفال كثرٌ يعانون من الحساسية، الحكاك، الربو إضافة إلى الحصبة. ولا يمكن الاستهانة أبداً بحالات الإسهال التي تُعتبر خطيرة مع انعدام القدرة على معالجة الوضع قبل تأزمه. ففي أحد المخيّمات المنشأة منذ حوالى سبعة أشهر، يقول النازحون إنّ البداية كانت مع سبع أسر لكن اليوم وبوجود أكثر من عشرين أسرة، لم يعد من الممكن التحكّم بالأمور الصحّية أبداً وقد أصبحت حياتهم رهن الأوضاع اليومية المتقلّبة. والسؤال المشترك بين النازحين «أين هي ملايين الدولارات التي تخصّصها الدول العربية والأجنبية لنا؟»، فعلى رغم وصول مساعدات عينية لهم، لم يكن هناك أي تعاطٍ جدّي مع أوضاعهم الصحّية التي تجعلهم أحياناً كثيرة يتمنّون العودة إلى سورية والعيش تحت القصف على البقاء في هذه المخيّمات. فالحشرات كما الجرذان تغزو المخيّمات لتنقل إلى النازحين الأمراض والفيروسات، وهم يتقاسمون المراحيض القليلة التي تفتقد أدنى حدود النظافة. وإذا كانت بعض الجهات المحلية والدولية تؤكد أنّها تفعل كلّ ما بوسعها للنازحين، فهم لا يجدون أنّ ذلك صحيحاً لأنّ هناك أموراً كثيرة يمكن التصدّي لها مثل تأمين الصرف الصحّي للمخيّمات وتوفير البحص والرمل لبناء أرضيات من الباطون بدل السير على التراب والوحل، إضافة إلى المياه النظيفة التي تقي من أمراض كثيرة. ويشكو ممثّلو الجمعيات الأهلية والمنظّمات الدولية من عدم قيام قسم كبير من النازحين بتسجيل أنفسهم رسمياً لدى الجهات المعنية، ما يساعد على تنظيم المساعدات وتوفير أكبر قدر ممكن من العون لهم. إلا أنّ تقاذف المسؤوليات لن يفيد النازحين ولا حتّى المواطنين اللبنانيين أبداً، فالأمراض المتناقلة اليوم في المخيّمات لن تبقى ضمن حدودها في حال استمر الوضع على ما هو عليه، والكارثة الأكبر حين تخرج من دائرة المخيّمات إلى القرى والبلدات وصولاً إلى المدن ذات الثقل السكاني.