فكرة جديرة بالاهتمام أن تقرّر الفنانة الفرنسية من أصول مغربية أمل شاهبي إقامة جولة لمسرحية «الحب فوراً أو في ما بعد» التي ألفتها وتمثل فيها بمشاركة الفرنسي المالي الأصل نوم ديوارا، في الريف الفرنسي والأوروبي، من دون توقف العروض الباريسية المستمرة منذ العام 2011. لاقى العرض الذي تفكر شاهبي في التحضير لجولة عالمية له بعد الأوروبية، نجاحاً باهراً على مسرح «جيمناز» حيث كان من الصعب العثور على بطاقة دخول إلا قبل شهر أو أكثر. لكن المسرح اضطر لوقف العروض أول من أمس، بسبب العقود التي تربطه بأعمال أخرى. وهذا دفع شاهبي إلى البحث عن مكان آخر للاستمرار في عرض المسرحية، على أن تعلن اسم المسرح الجديد في غضون أسابيع، وكذلك تاريخ بدء العروض الذي من المفترض أن يكون في شباط (فبراير) المقبل. ومن أجل نجاح الجولة الريفية بالتوازي مع العرض الباريسي، عرضت شاهبي على زميلتها الجزائرية صابرينا وزاني وعلى السنغالي عمر دياو أداء الدورين بدلاً منها ومن نوم ديوارا، وذلك في النسخة الباريسية من العروض بينما يتولى الثنائي الأصلي مهمة العروض الجوالة. ويعود نجاح «الحب فوراً أو في ما بعد» إلى النص الذي يتناول بذكاء وبروح فكاهية مميزة المشاكل والصعوبات التي يتعرض لها المرتبطون عاطفياً بأشخاص لا ينتمون إلى الجذور والثقافة نفسها. وإذا كانت شاهبي اختارت امرأة عربية وشاب أفريقي أسود نموذجاً للحكاية، فإن المشاهد يدرك منذ الدقائق الأولى أن المواقف نفسها تنطبق على الجنسيات كلها، وهو ما يحول الموضوع من فرنسي بحت إلى دولي عام، قد يقدم بأي لغة في العالم وأمام أي جمهور. الفوارق الجوهرية جزأت شاهبي نصها إلى سلسلة من المواقف القصيرة تتطرق إلى المواقف التي يعيشها المتزوجون في حياتهم اليومية، مستمدة فكرتها أصلاً من المسلسل التلفزيوني الفرنسي «شاب وفتاة» الذي عُرض مطلع الألفية الحالية، إلا أنه لم يكن يتضمن موضوع الجنسيات والثقافات المختلفة واكتفى بالإشارة إلى الفوارق الجوهرية بين النساء والرجال عامة. وتفادت شاهبي فخ السطحية الذي كثيراً ما يقع فيه هذا النوع من الأعمال الفنية بحجة إثارة الضحك، وتعمّقت في سرد المواقف باحثة في نفوس الشخصيات التي ترسمها. وإذا كان الجمهور يضحك في كثير من الأوقات خلال العرض، فهو يسكت في لحظات أخرى عندما يشعر بأن المؤلفة وضعت إصبعها على جرح لا شك في أن العدد الأكبر من المتفرجين أصيب به في يوم ما، أو على الأقل يعرف أشخاصاً عانوا منه. ويؤخذ على النص وقوعه في التكرار الذي يبدو أحياناً مقصوداً، وأحياناً أخرى غير مقصود. ويظل هذا العيب خفيفاً ولا يسيء إلى العمل كلاًّ. ويكمن نجاح العرض أيضاً في خفة روح كل من أمل شاهبي ونوم ديوارا، وكذلك صابرينا وزاني وعمر دياو على الخشبة، وموهبتهم الطبيعية التي تجعلهم ينتقلون بسهولة ظاهرية مميزة من الفكاهة إلى الدراما. أما الإخراج، فقد تولاه نجم الفكاهة فابريس إيبويه. يذكر أن أمل شاهبي أنجزت تحويل نص المسرحية إلى سيناريو لتصوير «الحب فوراً أو في ما بعد» في فيلم روائي سينمائي مطلع العام 2015.