«منذ وقت طويل لم يعد الناقد يتمتع بشهرة كبيرة، فهو عومل في العادة ( كان ينتمي من قبل إلى الطبقة الأرستقراطية) كمتطفل وشخص غير فاعل بسبب عدم قدرته على الخلق الفني، لكنه قوي وقادر في صورة غير لائقة، على تدمير سمعة المبدعين بضربة واحدة من قلمه المسموم». هكذا يقول رونان ماكدونالد؛ مؤلف كتاب «موت الناقد» (المركز القومي المصري للترجمة، ترجمة فخري صالح). الكتاب تقوم فكرته المركزية على مقولة تبدو بسيطة لكن مهمة: هل تراجع دور النقد الأكاديمي القائم على حُكم القيمة وتضاءل تأثيره وضعفت صلته بجمهرة القراء؟ من وجهة نظر المؤلف: مات الناقد، مجازاً، وأخلى مكانه للقارئ الذي يستطيع الآن وفي ضوء تطور وسائل الاتصال أن يضفي قيمة على الأعمال الإبداعية التي يقرأها من دون حاجة إلى ناقد متخصص يرشده ويدله على ما يستحق القراءة وما لا يستحق. فالناقد الأكاديمي المتخصص لم يعد يطل على القراء في الجرائد والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام. ويتساءل ماكدونالد: «ما الذي نرثيه إذن، إذا كان هذا الشخص النخبوي الذي ينتمي إلى مرحلة سلطوية غير ديموقراطية ينسحب من المشهد؟». ويعزو رونان ماكدونالد ضعف دور الناقد في اللحظة الراهنة إلى انتشار المدونات والمواقع التي تتيح لأي شخص، بغض النظر عن معرفته وعلمه وضلوعه في الموضوع الذي يكتب فيه، الكتابة عن الكتب، والأفلام والمسرحيات والعروض الموسيقية. ويرى المؤلف أن زمن الناقد؛ بوصفه الحكم الفيصل الذي يقرر ما يستهلكه الجمهور على الصعيد الثقافي، قد ولى. ويطرح عبر فصول الكتاب ما يدلل به على صحة ما ذهب إليه، إذ يركز اهتمامه في الفصل الأول وعنوانه «موت الناقد... في الثقافة المعاصرة»، على المواقف الخاصة بالقيم الفنية وعملية التقويم: «قبل أن نحتفل بموت الناقد النخبوي، ينبغي علينا أن نتذكر العلاقة التاريخية التي نشأت بين الفن المفعم بالحيوية وآليات الاستقبال والتوسط النقديين». ويرى ماكدونالد أن هذا الأمر ربما يكون من بين الأسباب التي جعلت الكثير من كتاب الحداثة العظام، مثل وليم بتلر، بيتس، إليوت، فرجينيا وولف، يأخذون كتاباتهم النقدية بكثير من الجدية. ويعرض الفصل الثاني لمنتخبات من تاريخ النقد، مع تقويم الانشقاقات العديدة بين القيم النقدية والمواقف الثقافية الواسعة المتخذة تجاه الفن والأدب. وينشغل المؤلف في الفصل الثالث برصد تطور النقد الأدبي داخل الجامعة وخارجها خلال القرن العشرين: «لقد شعر النقد الأكاديمي بالحاجة إلى تعزيز أساساته كحقل من حقول المعرفة، وهي تمثل حافزاً قوياً قاده إلى البحث عما يقربه إلى المنهجيات العلمية». ويلفت ماكدونالد إلى كيف أن هذا التوجه ولَّد في الوقت نفسه تعارضات ضمن الدور غير العلمي الذي يمتلكه الأدب، وعلى رأس ذلك ما يبرر في المقام الأول حضوره في المناهج الدراسية. وفي الفصل الأخير، يقترح المؤلف قول: إن ظهور «النظرية» في نهاية الستينات، رغم ثوريتها وحماستها وتمردها، تضمَّن تواصلاً حاسماً مع الأجيال النقدية السابقة. وعبر عملية تقييم للبنوية، وما بعد البنوية، والدراسات الثقافية، ينتهي إلى وضع اليد على علامات حضور «نزعة نقدية جمالية جديدة»، في تيار الطليعة في النظرية الأدبية. وعبر الصفحات الأخيرة من الكتاب يثبت ماكدونالد كيف أن تقلص النقد الأكاديمي وانسحابه، وتمدّد مرجعيات الكتب والفنون، لا يمثلان إتجاهين يناقض كلاهما الآخر؛ «فهما يشكلان الجزء الخفي من المزاج العام نفسه، ويتضمنان تنازلاً عن الفكرة التي تقول إنه في الإمكان مناقشة القيمة في الفن والأدب والجدل حولها من قبل سلطة مرجعية ما».