حتى إذا اعتبرت استضافة مدينة سوتشي الروسية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية من 7 الى 23 شباط (فبراير) المقبل، ودعوة الزعيم المزعوم لإمارة القوقاز الإسلامية دوكو عمروف في تموز (يوليو) الماضي «الجهاديين» إلى استهداف الدورة بهجمات ارهابية، لا يمكن فهم تعرّض مدينة فولغاغراد الجنوبية التي تبعد 690 كيلومتراً عن سوتشي لثلاثة اعتداءات انتحارية منذ الخريف. في تشرين الأول (أكتوبر)، فجّرت انتحارية حزاماً ناسفاً حملته في باص داخل المدينة، ما أسفر عن 6 قتلى معظمهم مراهقون. وقبل يومين من احتفالات رأس السنة، هاجم انتحاريان محطة القطارات الرئيسة في 29 كانون الأول (ديسمبر)، ثم باصاً كهربائياً في اليوم التالي، ما خلّف 34 ضحية جديدة، ودفع كثيرين إلى التساؤل عن سبب تحوّل فولغاغراد إلى هدف للمتمردين. وأظهرت التحقيقات استخدام مواد ناسفة مماثلة في التفجيرين الأخيرين، ما يرجّح وقوف جهة واحدة وراءهما، كما لاحظت تشابههما مع اعتداء تشرين الأول على صعيد استهداف وسيلة نقل عام، علماً أن التفجير الأخير نفّذته داغستانية تدعى ناييدا أخيالوفا، اعتنقت الإسلام بعد زواجها من خبير متفجرات اعتبر أحد قادة متمردي شمال القوفاز، وقتلته الشرطة مع أربعة آخرين في داغستان أيضاً بعد نحو شهر. أندريه سولداتوف، الصحافي في موقع «اجونتورا دوت رو» الروسي المتخصص في شؤون الإرهاب والاستخبارات، يعتبر أن هجمات فولغاغراد تحاول إحداث فوضى كبيرة في المخطط الأمني لأولمبياد سوتشي، ويقول: «أعتقد بأن الهدف هو تشتيت تركيز قوات الأمن، وإجبارهم على التفكير بكيفية حماية المدن الكبرى إلى جانب سوتشي. وهذا تكتيك فاعل لإبعاد الإهتمام الكبير عن موقع استضافة الأولمبياد كونه الهدف المنطقي للعملية التالية للإرهابيين». ولعل الأهم بالنسبة إلى «الإرهابيين» توجيه رسالة من فولغاغراد تفيد بأن الهجمات يمكن أن تحصل في أي جزء من روسيا، إذ لا تمثّل المدينة الصناعية التي يسكنها حوالى مليون شخص قيمة إستراتيجية حقيقية لهم، علماً أن محطة القطارات التي ضربها تفجير 29 كانون الأول تعتبر الهدف الأكبر في المدينة، لأنها نقطة ربط خطوط سكك الحديد بين الشمال والجنوب، ويعبرها آلاف الركاب يومياً، غالبيتهم يسافر من موسكو وإليها. وربما استفاد «الإرهابيون» عملياً من كون فولغاغراد التي شهدت حملة تطهير واسعة نفذتها السلطات السوفياتية خلال ثمانينات القرن العشرين، إحدى الأكثر فساداً في روسيا. لكن لا يُستبعد أيضاً تعمّدهم استهدافها لأنها إحدى المدن المستضيفة لمونديال 2018 في كرة القدم ولإحدى مراحل سباقات سيارات الفورمولا واحد في 12 تشرين الأول المقبل، أو بسبب قيمتها التاريخية كونها شهدت لدى تسميتها بستالينغراد إحدى المعارك الأشرس مع الجيش النازي الألماني خلال الحرب العالمية الثانية والتي غيّرت مسار الحرب. ولا يتردد ديميتري ترينين من مكتب مؤسسة «كارنيغي» بموسكو في القول إن «هجمات فولغوغراد صفعة في وجه السلطات التي عجزت عن حماية رمزيتها في عقول الناس، باعتبارها مدينة مأساة روسيا وانتصارها في الحرب العالمية الثانية». أما زميله في المؤسسة ديميتري مالاشينكو فيقول إن «فولغاغراد قد تكون ببساطة أرضاً مناسبة للإرهابيين لاختبار فاعلية عملياتهم، لأن نظامها غير الصارم يلائمهم». ولاحظ خبراء وجود نقص في عدد رجال الشرطة، فيما ذهب مالاشينكو أبعد في إعلان أن «السلطات نفسها شجّعت المتمردين على المضي في مخططاتهم، بعدما فشلت في رفع مستوى إجراءات الأمن في فولغوغراد بعد هجوم تشرين الأول». وتابع: «ارتكبت السلطات خطأ فادحاً بتجاهلها حماية السكان، ما خلق صورة كون روسيا غير محصّنة قبل إستضافة الدورة الأولمبية، وإن أي مدينة فيها يمكن أن يطاولها الإرهاب». وفي محاولة لتأكيد إستعادة السلطات السيطرة الأمنية بعد هجومي فولغاغراد الأخيرين، تفقّد الرئيس فلاديمير بوتين منشآت أولمبياد سوتشي أول من أمس، وزاول رياضة التزلج في جبالها برفقة رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف ونائب رئيس الوزراء ديميتري كوزاك. كما خفف بوتين القيود الأمنية المفروضة على التظاهرات في سوتشي. وأفاد بيان أصدره الكرملين بأن «التجمعات الحاشدة والمسيرات والإضرابات يمكن أن تنظّم في أماكن محددة خلال فترة الدورة الأولمبية شرط نيلها موافقة أجهزة الأمن»، علماً أن هناك غايات أخرى تتعلّق بنظرة العالم إلى طريقة تعامل النظام مع منظمات وهيئات حقوقية.