لم تحتج روسيا الى «هزة إرهابية» جديدة بالتزامن مع ذروة احتفالها بإنجاز تحضيرات استضافة مدينة سوتشي دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في شباط (فبراير) المقبل، وتأكيدها السيطرة على الوضع الأمني في منطقة شمال القوقاز، إذ ضربها تفجير نفذته انتحارية من «الأرامل السود» داخل باص للركاب، وحصد ضحايا كثيرين من الأطفال. اما الأهم فكان اختيار موقع الاعتداء في فولغوغراد (جنوب) خارج منطقة شمال القوقاز المضطربة، أي في عمق أراضي روسيا. وأمس، فككت قوات الأمن عبوة ناسفة زنتها 12 كيلوغراماً قرب مركز تجاري في مدينة خسافيورت في جمهورية داغستان شمال القوقاز، بعدما ابلغها سكان عن العثور على جسم غريب. وفي جهورية قبردينو بلقاريا، قتل مسلحون رجل أمن وجرحوا آخر. وحاولت موسكو التقليل من اهمية هجوم فولغوغراد، خوفاً من التداعيات المحتملة. وفتحت النيابة العامة بخلاف المألوف تحقيقاً ادرجته تحت بند في القانون الجنائي يتحدث عن جرائم القتل بدلاً من «الارهاب». وقال خبراء إن «العبوة الناسفة المستخدمة صغيرة وذات تأثير محدود، ومصّنعة يدوياً»، للإيحاء أن الموضوع لا يزيد على «تصفية حسابات بين مجموعات للجريمة المنظمة». ولم تركز تعليقات المسؤولين على طبيعة الباص وركابه من تلاميذ مدارس، لكن العثور على أشلاء الانتحارية مع بعض بقايا القنبلة اضطرهم الى الاعتراف بأن «هجوماً ارهابياً نفِذ عبر انتحارية من داغستان للمرة الأولى منذ 3 سنوات في مدينة روسية خارج حدود برميل البارود القوقازي». مع ورود التفاصيل «المثيرة» للاعتداء، بات على موسكو ان تدق «جرس الخطر»، لأن تهديدات القادة الميدانيين للجماعات المتشددة الناشطة في القوقاز بشن هجمات موجعة قبل اولمبياد سوتشي الشتوي وخلاله بدأت تؤخذ على محمل الجد. وأظهرت التحقيقات ان الانتحارية ناييدا اسيالوفا البالغة 31 من العمر حملت عبوة ناسفة زنتها نحو ثلاثة كيلوغرامات من مادة شديدة الانفجار، وأن «الحزام الناسف» صنعه زوجها خبير المتفجرات الروسي ديميتري سوكولوف (21 سنة) المعروف باسم «عبدالجبار». وتشتبه السلطات ايضاً في ان سوكولوف جهّز الحزام الناسف الذي فجرته الانتحارية مادينا علييفا وسط العاصمة الداغستانية محج قلعة في ايار (مايو) الماضي. كما أعد عبوات ناسفة انفجرت في متاجر بالمدينة ذاتها في آب (أغسطس) الماضي. وأشارت مصادر الى ان اسيالوفا التي تركت قريتها في داغستان عام 2010، أصيبت بمرض عضال دفعها الى تنفيذ المهمة الانتحارية. وفيما أعادت الانتحارية ظاهرة «الأرامل السود» الى الواجهة في توقيت سيء بالنسبة الى موسكو، تخوفت مصادر أمنية من تخطيط متشددين لهجمات مماثلة في موسكو، خصوصاً ان العملية شكلت دليلاً اضافياً على أن عمليات تجنيد الانتحاريات ما زالت قائمة ونشطة رغم التطمينات الأمنية الكثيرة، وان المجموعات المقاتلة في القوقاز ما زالت تستقطب «متطوعين» روساً يعتنقون الاسلام في ظروف ليست واضحة، ويتحولون فجأة الى «ارهابيين». وكان اللافت اسراع بعض عباقرة التحليل السياسي الروسي إلى ربط الهجوم بأزمة سورية. وقال بعضهم ان «عملية فولغوغراد رد انتقامي من ارهابيين ضد محاولات التدخل في سورية»، فيما ذكّر بعضهم بأن «مئات من المقاتلين المتشددين من منطقة القوقاز ينشطون في سورية، وقد يعودون قريباً لتنفيذ تهديدات بإشعال مناطق روسية مع اقتراب موعد الأولمبياد».