باشر المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس أمس، وسط إجراءات أمنية مشددة، عملية المصادقة على مشروع الدستور الجديد، وذلك عبر التصويت عليه فصلاً فصلاً، في حين يتوقّع الانتهاء من ذلك قبل منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، وفق ما تم التوافق عليه في جلسات الحوار الوطني. وصادق المجلس التأسيسي على توطئة الدستور بالإجماع بعد تعديل فقرته الأولى باستبدال عبارة «وتأسيساً على ثوابت الإسلام» بعبارة «وتعبيراً عن تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده» التي حظيت بتوافق الإسلاميين والعلمانيين في المجلس. كما تمت المصادقة على افتتاح توطئة الدستور ب «البسملة». وكان الشارع التونسي شهد انقساماً حاداً عند انطلاق أعمال صياغة الدستور بعد أن طالبت كتلة حركة «النهضة» الإسلامية بإدراج فصل ينص على أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، إلا أن رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي تراجع عن هذا المطلب بعد تظاهرات شعبية نظمها العلمانيون. ورفض المجلس اقتراحاً تقدم به عدد من النواب، بتسمية الدستور الجديد «دستور عهد الثورة»، محافظين على تسميته ب «دستور الجمهورية التونسية». وانطلقت الجلسات وسط جو من التوافق بين الكتل النيابية المعارضة والموالية، حيث يعتزم المجلس التأسيسي عقد جلسات صباحية ومسائية وليلية طيلة أيام الأسبوع الجاري للانتهاء من المصادقة على الدستور قبل تاريخ 14 كانون الثاني، ذكرى هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إثر انتفاضة شعبية أنهت حكمه. وعلى رغم أن «النهضة» (الحزب الأكبر في المجلس التأسيسي) طالب في وقت سابق باعتماد نظام حكم برلماني، إلا أن مشروع الدستور بعد التوافقات الأخيرة أرسى نظاماً برلمانياً مختلطاً يكون فيه رئيس الجمهورية منتخباً مباشرةً من الشعب مع صلاحيات في السياسة الخارجية والدفاع. وأدرج النواب فصلاً يحدد مدة حكم الرئيس بولايتين مع إضافة بند يمنع تنقيح هذا الفصل تفادياً للرئاسة مدى الحياة المتبعة منذ خمسينيات القرن الماضي. ويُنتظر أن تشهد عملية المصادقة خلافات حول «باب الأحكام الانتقالية» الذي يتضمن تفسيراً لكيفية دخول الدستور حيز النفاذ بعد المصادقة عليه، خاصة في باب مراقبة دستورية القوانين قبل تأسيس المحكمة الدستورية. ويقترح خبراء في القانون الدستوري إسناد اختصاص الرقابة على القوانين إلى المحكمة الإدارية (محكمة فض النزاعات الإدارية والتشريعية).