تنطبق مقولة «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب»، على منتجي الجزء السادس من المسلسل الشهير «باب الحارة». فالشركة المنتجة، وكما أفادت تقارير إعلامية، وضعت شرطاً في عقودها مع الممثلين يقضي ب «عدم التصريح لوسائل الإعلام بأي كلمة تتعلق بتفاصيل العمل»، ومن يخرق هذا الشرط سيتعرض للمقاضاة، مع هامش جد ضئيل، إذ يسمح للممثل فقط بذكر شيء واحد، وهو أنه يشارك في الجزء السادس من هذا المسلسل العتيد، ثم يصمت إلى أن يراه الجمهور على الشاشة. لا أحد يعلم ما الحكمة من شرط غريب كهذا. لكن أياً تكن المبررات، فإن مثل هذا الشرط يقلل من تقدير جهة الإنتاج للممثلين، ويقوّض ثقتها في الرهان على جزء جديد سيسعى إلى استثمار نجاح الجزءين الأولين، من هذا العمل الذي قام بإخراجه بسام الملا، وتولى كتابته أكثر من سيناريست، وصولاً إلى هذا الجزء الذي يقال إن كاتبيه هما سليمان عبدالعزيز وعثمان جحا. والحال أن نجاح بعض أجزاء هذا العمل لم يكن نابعاً من مضامينه ورؤيته الإخراجية المختلفة، بمقدار ما أتى من قدرته على إثارة الحنين في نفوس الجمهور العريض الذي ملّ من الخيبات والهموم والحرمان، فوجد في هذا «العمل اللطيف المرح» مرحلة مضيئة غائبة، ومشتهاة، ناهيك عن ثرثرة الشاميات الناعمة التي تسيل حول «البحرة»، وبطولات العكيد ورجاله وشهامتهم، وذلك الفصل المقيت بين شخصيات خيّرة وأخرى شريرة. وهذه العوامل هي بالضبط ما يمكن اعتماده لانتقاد هذا المسلسل الذي يعود أحداثاً إلى النصف الأول من القرن العشرين ليركز على تلك النوافل والهوامش ويتجاهل الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان قائماً، آنذاك. لم نر في الأجزاء الخمسة السابقة الصورة الحقيقية لدمشق التي كانت تمور بحركة ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية لافتة، ولم نجد حزباً ولا شخصية سياسية معروفة ولا جمعية أو رابطة تطالب بحقوق ما. اختزلت دمشق إلى حارة مغلقة على نفسها، تتوجس من كل غريب طارئ، وتغلق ذلك الباب الخشبي الثقيل على حارة معزولة عن محيطها، وتحفل بشعارات فارغة عن مقاومة «الاحتلال الفرنسي»، وعن «الحكومات الوطنية الحريصة» التي أوصلت الحارة، بل العالم العربي برمّته، إلى «ربيعٍ» أظهر مقدار الخسارة والقهر والإحباط، وإنْ لم يثمر على النحو المأمول بعد. لن نضيف جديداً إن قلنا إن المنتجين لا يأبهون، لا بالربيع ولا بغيره من الفصول، ولا كذلك بفريق العمل الذي عليه أن يبقى صامتاً، فكل ما يهمها هو أن تنجز هذا الجزء، وتنتظر المردود المادي عبر بيعه للشاشات، وهي ستنجح على الأرجح في هذا المسعى، فليس هناك ما هو أسهل من جذب المتلقي إلى مائدة درامية تتلصص على «أسرار البيوت الشامية العابقة برائحة الياسمين»، فيما الحياة الصاخبة تقول شيئاً آخر سيوصد دونه باب الحارة.