استحق الرسام جيرار بيتيّاه (Gérard Pétillat) لقب «الرسام الرسمي للبحرية الفرنسية» ووسامها في أمسية استضافتها قاعة الاحتفالات في مبنى بلدية باريس، مع افتتاح المعرض المخصّص لأعماله قبل أن تطوف قاعات فرنسية عدة أبرزها تلك التي يؤويها النادي الوطني للبحرية الفرنسية الذي يتوسط ساحة سانت أوغوستان الأنيقة. وبيتياه فرنسي مولود في الجزائر أمضى فترة من شبابه فيها، قبل أن يأتي برفقة عائلته إلى باريس ويستقر فيها لإكمال تعليمه المدرسي. وخلال هذه الفترة، اكتشف بيتيّاه حب البحر شاعراً برغبة ماسة في السفر حول العالم ومشاهدة روائعه بواسطة الإبحار ولا شيء سواه. ولم يتأخر في تحويل أمنيته إلى واقع ملتحقاً بالبحرية الفرنسية وعائداً من كل رحلاته حاملاً دفاتر ضخمة بصفحات ملطخة برسومه الرامزة إلى الموانئ التي زارها، ورسوم للبحر الذي يزخر بحياة ربما أكثر صخباً من أي مدينة. وبعد ثماني سنوات في خدمة البحرية عاد بيتيّاه إلى الحياة المدنية وتزوج وصار أباً ومارس مهنة التصوير الصحافي ومن ثم الإخراج الصحافي، إلى أن وقعت عيناه ذات ليلة على دفتر رسومه الكبير، فراح يقلب صفحاته ويستعيد ذكرياته أيام البحرية والرحلات المثيرة، وبدأ يرسم مجدداً متخذاً المدينة هذه المرة أساساً يبني فوقه حكاياته الخيالية ويدمج بينها وبين الرسوم البحرية الماضية مقدماً نتيجة مدهشة. ومن أعماله لوحة تُصوّر سفينة ضخمة راسخة أمام برج إيفل في باريس، أو أشخاصاً يغطسون في البحر من أعلى بناية في نيويورك، وغير ذلك من اللوحات الثرية من الناحية الخيالية التي تمزج بين البحر والمدينة في أسلوب فريد من نوعه. ويتصف عمل بيتيّاه بالضخامة، فهو لا يعرف كيف يرسم بالحجم الصغير أو حتى المتوسط، والصفة الثانية التي تميّز لوحاته هي الواقعية إذ إن أعماله أقرب إلى الصورة مما هي إلى الرسم الفعلي من حيث الدقة الفائقة في التفاصيل من كبيرة وصغيرة. كسب رزقه لم يفتش بيتيّاه أول الأمر عن إمكان تقديم أعماله في القاعات الرسمية ولكن الفرصة سنحت له، إثر زيارة صاحب قاعة فنية صغيرة في بيته والاطلاع على بعض رسومه من منتهية وغير منجزة بعد. وأصرّ الرجل على أن يسمح له بيتيّاه بعرض أربع أو خمس لوحات في قاعته لمجرد جسّ النبض الجماهيري تجاه هذا اللون الفنّي المميّز والخارج عن العادة. وهذا ما حدث، وبيعت اللوحات المعنية بسرعة البرق الأمر الذي تسبّب بطلب صاحب القاعة أسوة بغيره من مديري قاعات عرض باريسية لوحات حاملة توقيع بيتيّاه. بين ليلة وضحاها، وجد بيتيّاه نفسه غارقاً وسط دفتر طلبات واكتشف معنى كسب رزقه ورزق عائلته بفنّه، وحين انتقل خبر وجود فنان يتخذ البحر والمباني البحرية أساساً لكل أعماله، زار وزير البحرية الفرنسية أحد المعارض المخصصة لبيتيّاه وعبّر عن دهشته مما شاهده، وبدأت الإجراءات الرسمية التي أدت بجيرار بيتيّاه إلى استحقاق وسام ولقب «رسام البحرية الفرنسية الرسمي» وتسليمه الزي البحري الرسمي.