جيرار بيتياه رسام فرنسي خمسيني جاء إلى الفن بعدما جرب حظه في ميادين عدة، منها الصحافة المكتوبة والتصوير الفوتوغرافي، لحساب مجلات فرنسية وأجنبية في باريس، ثم الإخراج الفني في الميدان الصحافي أيضاً، قبل أن يقرر التفرغ لما كان في الأصل هواية منذ سن المراهقة، أي الرسم. وبما أن بيتياه حلم وهو شاب بالالتحاق بالبحرية وفعل، إلا أنه لم يقدر لأسباب صحية، على الاستمرار فيها وتسلق سلّم الرتبات مثلما أراد، راح يعوض عن نقصه بواسطة رسم السفن الحربية التي طالما حلم بالعمل فوقها وإدارة شؤونها وبزيارة الموانئ العالمية مرتدياً زي القبطان أو الأميرال. ولكن بيتياه لا يكتفي برسم المباني البحرية هذه مثلما هي، إذ يترك العنان لخياله الخصب ويزين لوحاته بتفاصيل تصنع جاذبيتها، مثل وضع السفينة الحربية الضخمة شارل ديغول مثلاً، في مرسى صغير على نهر السين أمام برج إيفل. وفي لوحة ثانية تبدو سفينة حربية أخرى بالضخامة ذاتها، راسية في ميناء صغير جداً في الريف الفرنسي وأمام مقهى يتناول فيه طاقم السفينة المرطبات. واللافت في أسلوب بيتياه الفني هو قدرته المتناهية على رصد التفاصيل الصغيرة جداً بطريقة أكثر من واقعية. فالسفينة والمقهى والمرسى وبرج إيفل كلها زاخرة بعناصر واقعية إلى أبعد حد، حالها حال الأشخاص الذين يظهرون في اللوحات. وعثر بيتياه قبل سنة على إمكان عرض لوحاته في مركز ثقافي صغير في الدائرة ال 19 في باريس، وباع لوحة واحدة وتلقى عرضاً جديداً لتقديم أعماله في قاعة متخصصة تقع بالقرب من متحف «اللوفر»، وهنا باع بيتياه عملين من أعماله. وشاء القدر أن يزور المعرض أميرال متقاعد وأن يعجب بلوحات الفنان، فاقترح عليه تنظيم مناسبة فنية تطرح في خلالها لوحات بيتياه في مقر نادي البحرية الفرنسي في باريس، وهو مكان تقصده الشخصيات المهمة من سياسيين وعسكريين، علماً أن النادي سيفتح أبوابه أيضاً وفي شكل استثنائي، للجمهور العريض الذي يرغب في الاطلاع على أعمال بيتياه. وهذا ما حدث فعلاً. فالمعرض منعقد حالياً في باريس وفي النادي المذكور حتى نهاية شهر أيار (مايو) الجاري، وهو يلاقي منذ افتتاحه رواجاً مهماً بحضور شخصيات كثيرة ليست فقط من الميدانين السياسي والعسكري، بل هناك فنانون وأدباء وإعلاميون دوليون، إلى درجة أن بيتياه تلقى خبر احتمال تحوله في مستقبل قريب إلى الرسام الرسمي للبحرية الفرنسية. وإذا سئل بيتياه عن حكايته مع الرسم ومع البحرية، يقول: «أنا مولع بالرسم عموماً منذ سن الصبا، وبينما كان أصدقائي يلعبون الكرة، كنت أنا أرسم السيارات والطائرات والمراكب. ولكن الهواية الحقيقية الخاصة بالبحرية، وخصوصاً رسم السفن، جاءتني في سن الثالثة عشرة حينما ترددت في صحبة عائلتي إلى استعراض بحري ضخم في أحد الموانئ الفرنسية، وأتذكر أنني شعرت أثناء الاستعراض بأن البحرية كانت ستلعب دورها في حياتي في شكل أو في آخر، وكنت على حق». وعند مشاهدة طوابير الانتظار الطويلة واليومية أمام مدخل النادي، نرى أن الجمهور الفرنسي العريض تبنى بيتياه ويهتم بمعالم فنه، وربما أيضاً أن عمليه فتح هذا النادي الخصوصي جداً عادة، إلى عامة الناس، هو من الأمور التي تثير الفضول حيث ينتهز المشاهدون مناسبة المعرض للتجول في القاعات الكبيرة والجميلة بهدف اكتشاف كنوزها المعروضة، والتي ربما لن يروها مرة أخرى.