لنفترض أنّ حاجزاً من العناصر المسلّحة، كتلك المنتشرة في سورية، أوقف الحافلة التي تقلّك، وكنت مطالباً بالإجابة عن سؤال مغلق واحد، إجابته ستحدّد حياتك أو موتك: «هل أنت مع الثورة أم مع النظام»؟ لا يهمّ هنا الأخذ في الاعتبار الأحوال كما آلت إليها. تشتعل حواسّك كلّها لالتقاط إشارةٍ ما قد تبيّن أو تشير إلى الجهة السائلة، من دون أدنى نتيجة، فلا بصيص لأيّة دلالة تفيدك في إبعاد السلاح المصوّب باتّجاه مقتلك... باختصار: إنّك أمام امتحان رهيب تقرّر نتيجته حياتك أو موتك، وحتّى الانتحار إن أُتيح يفقد معناه في حالة الصمت إرضاءً لضميرك، فأنت عمليّاً على بعد بضعة أنفاس من تلك الجثث القريبة... لِنُرجىء جواب هذا الافتراض حيناً... غنيٌّ عن القول إنّ طرفي النزاع على الأرض السوريّة هما النظام والمعارضة بكلّ تلاوينها، أمّا التيّار الثالث فيتحفّظ كثيراً أو قليلاً عن النظام، ويرفض، منذ ما بعد البدء بقليل، الثورة بحجّة عسكرتها. هنا، يبرز التيّار الرابع وهو يرفع راية رفضه الأطراف الثلاثة بمجملهم، ناقداً حيناً، وشاتماً أو شامتاً حيناً آخر، غير أنّ دافعه ليس اليأس، بل يدفعه نوعٌ من العبثيّة، إن لم نقل: البحث عن الذات، في نرجسيّة وتعال على جراحاتٍ مُثخنة، وكأنّما لسان حال هذا التيّار هو: «شوفوني»، كما تُعنون صفحة فايسبوكيّة ساخرة نفسها. مُستتراً بالنقد لا يسكت هذا التيّار/ الموجة عن أيّ زلّة لأيٍّ من الأطراف، سواء كانت هذه الزلّة حقيقيّة أم مُختلقة، وبانتهازيّة بعثيّة يبادرك بالقول: «أختلف معك في طروحاتك»، على رغم أنّك لم تسمع البتّة سوى بامتداح طروحاتك في وقتها. أيّاً يكن، فقد نأى هذا التيّار بنفسه حتّى جغرافيّاً عن ساحة الحدث، صوته في الظلمة الحالكة ليس سوى نذير شؤمٍ كما قالت العرب. وجود مثل هذه الظاهرة/ التيّار حقّ طبيعيّ في ظلّ ديموقراطيّة يحلم النّاس بها، وفي هذه الحال ربّما يلعب هذا الأمر دوراً مهمّاً في تحجيم ديكتاتوريّات فكريّة قد تحتكر الحقيقة، خصوصاً إذا كانت هذه الديكتاتوريّات مدعومةً مادّياً أم معنويّاً، حديثة العهد أم راسخة. على ذلك الحاجز الذي أوقف تلك الحافلة سيُقتل بالتأكيد ذلك «الفهيم» المنتسب إلى التيّار الرابع بصرف النظر عن إجابته، ليموت مرّتين. * كاتب سوري