جهاز أمني خارج الرصد، ينمو في ظل النظام الحاكم، أعضاؤه ضبّاط سابقون، ينفذون أعمالاً تخريبية وتفجيرات واغتيالات بدعوى الحفاظ على النظام والصالح العام. قصص لطالما تواترت، بخاصة في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي الذي تناثرت حوله أقوال مشابهة تفيد بأنه كان مؤسس تنظيم سري غير قابل للاختراق يقوم بعمليات خاصة، وربما كان أبرزها ما تم تداوله إبان ثورة يناير عن تفجيرات كنيسة القديسيْن في الإسكندرية. مسلسل «تحت الأرض» الذي عُرِض أخيراً يقدم هذه القصة البوليسية المشوقة، من بطولة المصري أمير كرارة، الأردني ياسر المصري، الجزائرية أمل بوشوشة، التركية سونغول أودين، وإخراج السوري حاتم علي، عن سيناريو هشام هلال. عمل قائم على التشويق والإثارة، وكما تتعدد جنسيات المشاركين فيه، يمتد الفضاء المكاني لرقعة جغرافية واسعة، بين لبنان وتركيا ومصر وتتشابك العلاقات وتتوالى الألغاز والمآزق الدرامية المحبوكة. إذ يجد ضابط الجهاز السري جمال الجبالي (أمير كرارة) نفسه وقد رُفِعت عنه الحصانة فجأة بوشاية من داخل الجهاز، فيتهم بالضلوع في تفجير الكنيسة، بل وتُلفق الأدلة، وتُحجب الحقائق لاعتقاله، بينما يتواطأ رؤساؤه في العمل وزملاؤه ضده، ليجد نفسه مضطراً لخوض الحرب وحيداً لكشف تلك الشبكة. إلى جانب جمال الجبالي، يعتمد الجهاز على الضابط علي الميري (ياسر المصري) الذي بدأ مشواره في الجهاز السري كرفيق درب لجمال، وهو صديقه المقرب بطبيعة الحال، إلا أن الأيام باعدت بينهما، خصوصاً أن «علي» هو من رشح «جمال» للانضمام للكتيبة التي تعمل تحت الأرض، إلا أن جمال تفوق في وقت قصير عليه حتى صار المصنف الأول، وهو الأمر الذي أوغر صدر علي الميري، ليصير هذا الأخير عبداً لمصالحه التي يديرها عبر الجهاز السري وبالتودد لحميه خُليف باشا (صبري عبد المنعم) وابنته منى خليف (إنجي المقدم)، زوجة علي التي لا تطيقه ولا تستنكف من إبداء احتقارها لزوجها الوصولي، بل وتتجرأ على المجاهرة بأنها تخونه. ثمة أريحية في التنقل الجغرافي، ما بين ثلاثة بلدان في شرق المتوسط، يساهم هذا الجانب الكوزموبوليتي في رسم شبكة علاقات دولية، تضم مجموعة مراكز القوى من رجال أعمال وتنظيمات وشركات عابرة للقارات وحتى أجهزة أمن فاسدة ومتواطئة. وعلى هذه الخلفية تتوالى على مدار الحلقات مجموعة ألغاز، فتقام تحالفات وتنهار، وتفتح جبهات وتنغلق بسرعة، وتنشأ قصص حب خاطفة أو مبتورة، ويُزج بأناس في السجن ليخرج غيرهم، كل ذلك بالتوازي مع الأحداث اللاهثة والتي اقتربت بالتلميح من نظام مبارك وحاشيته، ما أضفى على دراما «تحت الأرض» سخونة مصدرها التماهي مع الواقع. بخلاف الجهاز الذي يدار من تحت الأرض، والذي يمثل أحد أذرع الدولة البوليسية، يعرض العمل لحالات القهر والكبت التي تتعرض لها النساء في المجتمعات الشرقية، في مصر أو غيرها، في ظل عصر ذكوري ينفرد الرجال بإدارته. فهناك المذيعة ليلى (أمل بوشوشة) والتي يحتكرها ثروت زيتون (سيد رجب) أحد أقوى رجال الدولة لنفسه بعقد زواج عرفي، كذلك هناك التركية تولين (سونغول أودين) والتي تعيش مشطورة بين زوجها زعيم أحد التنظيمات الدولية وبين حبها لجمال. وأيضاً هناك رُبى هلال (رشا المهدي) التي تتعقب مصير أخيها المخطوف، عدا عن منى خليف (إنجي المقدم) والتي يحبسها زوجها في عزبته في أقاصي الصعيد في عملية اختطاف واستعباد تستمر شهوراً. التوليفة التي نجح هشام هلال في تقديمها، والتي تخلط بين الشأن العام، والأمور شديدة الخصوصية نجحت في صبغ العمل بالإثارة، والألغاز البوليسية التي تتكاثر انشطارياً مع تعدد جنسية الفريق واللهجات واللغات المسموعة فيه. ذلك كله يؤدي إلى منح «تحت الأرض» بُعداً إقليمياً دولياً يساهم في ترسيخ صدقية المنحى البوليسي الذي صُبغ به المسلسل. شارك من سورية الممثل عبد الحكيم قطيفان والمخرج حاتم علي والذي قام أيضاً بتمثيل شخصية المهدي، وهو سمسار الصفقات المشبوهة وأحد أباطرة مافيا الشرق الأوسط. ومن لبنان فادي إبراهيم ووليد العلايلي. أما الأردني ياسر المصري فحظي بإطلالة مميزة على المشاهد المصري وقدم أداءً جيداً لم يشُبه سوى ثقل الدارجة المصرية على لسانه، فيما راكمت الجزائرية أمل بوشوشة رصيداً لدى المشاهد بأدائها الهادئ والواثق، وهو ما ينطبق على التركية سونغول أودين.