يقوم معهد الدراسات الشرقية التابع لدير الدومينيكان في القاهرة بمشروع رائد يعتمد فيه على 155000 مجلد هي محتويات مكتبته، حيث سيخضع فهرس المكتبة لتطور جوهري جديد بعد تطبيق معايير KDA التي ستكشف العديد من خبايا التراث العربي والإسلامي، إذ لا تسمح هذه المعايير بفهرسة الكتب المنفردة فحسب، بل تساعد على اكتشاف العلاقات الفكرية بينها وبين مؤلفي التراث: مذاهبهم وجهدهم في الشروح والردود والحواشي. وقد أجرى الدكتور كمال عرفات نبهان دراسة كانت هي الأساس الذي قام عليه هذا المشروع، أجريت من مدخل ببليوغرافي ومعلوماتي واتصالي. ويذكر نبهان أن من بين أنواع التأليف المختلفة يوجد شكل متميز، وهو اعتماد المؤلف على كتاب سبق ظهوره، يهتم به ويتخذ منه محوراً يدور حوله كتابه الجديد، في شكل شرح أو تلخيص أو تهذيب أو تذييل أو استدراك أو معارضة أو محاكمة... إلخ. وهذا النوع هو ما يسميه نبهان «التأليف النصي المحوري»، وهو يمثل ظاهرة مهمة استمرت في التأليف العربي الإسلامي في مختلف عصوره، وما زالت بعض مظاهره موجودة حتى الآن، كما أن بعض أنواعه موجودة في الثقافات الأجنبية، ففي الإنكليزية مثلاً توجد لمسرحيات شكسبير ملخصات وتهذيبات للكبار والصغار. وكان كثير من الكتب في الحضارة العربية الإسلامية يمثل مشروعاً فكرياً قابلاً للتطوير وتحسين السلالة، ويعتبر الكتاب موضع الاهتمام أصلاً قابلاً للتلقي والإضافة والتصحيح والمعارضة والتكملة والاستمرار، يقوم بذلك مؤلفون في عصره أو في عصور تالية لتأليفه، ويظل هذا الكتاب المهم «مدونة» قيد التأليف المتتابع والمتنوع في مدارات موصولة، في زمن يطول أو يقصر، ويستمر التأليف المرتبط بالنص حتى تبلغ منظومة المؤلفات (الأصل وتوابعه) صورة مثالية في ثبوتها الأخير، في شكل «عائلة النص». وقد يتحول بعض النصوص التابعة بدوره إلى مركز تدور حوله المؤلفات، ليأخذ التأليف شكل الشجرة المتفارعة التي تضم القديم والجديد. وكانت هذه المؤلفات تسعى إلى تحقيق «الإحاطة والتمام» حول عدد من الكتب الأمهات في مختلف المجالات، وقد حظي «صحيح البخاري» مثلاً بنحو 94 مؤلفاً يدور حوله، وألفية ابن مالك بنحو 72 مؤلفاً، وكثرت المؤلفات أيضاً على الكشاف للزمخشري، والقانون في الطب لابن سينا، والبردة للبوصيري ... وغيرها. وكان موقع النص الإمام أو الكتاب الأم بين توابعه من النصوص، يقابل موقع الأستاذ بين طلابه في تعادل بين «المعرفي والسوسيولوجي». كما يذكر كمال نبهان أن الحضارة العربية الإسلامية لا تزال تخفي أسراراً في صنعة التأليف وآلياته، يحاول أن يفك طلاسمها وتداخلها وتعقيداتها ضمن منظومة من الوظائف الاتصالية والعلمية والتعليمية. وعلى سبيل المثال نجد وظيفة الحفظ تتحقق في أشكال المختصرات والمنظومات، ووظيفة متابعة التغطية في الذيول والصلات، والتصحيح وتكملة النقص في الاستدراك والفهم في الشروح والحواشي والتعليقات، والسيطرة على النص في التهذيب، والجدل والمناقشة والمعارك الفكرية في الردود والمحاكمات، ومفاتيح الاسترجاع من النصوص في الأطراف والكشافات وتنمية واستثمار النصوص في البناء على النص، وكانت المؤلفات تتفارع على الأصل وفروعه وفروع الفروع، حتى تصل أحياناً إلى الرتبة الرابعة من التفارع والتشجير، لتتحقق وظائف التكامل والتواصل والتصحيح والتركيم... إلخ. يتفرد نبهان بتقديم مجالات وأشياء جديدة تماماً في موضوع التأليف العربي والعالمي أيضاً، ومن ذلك: تعريف التأليف عموماً والعربي خصوصاً، وتتميز أنواعه وهي (الإبداعي، الوثائقي، النصي المحوري الذي يرتكز على نص واحد، والجذور العربية للتأليف من التدوين والتصنيف). وكذلك تعريف المؤلف وخصائصه في الثقافة العربية والإسلامية، وتعريف النص وتمييز أشكاله المختلفة. كما طرح نبهان نظرية أسماها «الببليوغرافيا التكوينية»، وهي جديدة في مضمونها وتسميتها، وتؤسس مجالاً جديداً في دراسة التأليف وعلاقات النصوص والضبط الببليوغرافي «التكويني»، وتصنيف بُعد جديد في علم الببليوغرافيا وعلم المعلومات، وتقدم بداية نظرية وميدانية لتأسيس علم النصوص العربية. وكذلك ابتكار نظام لوصف تمثيل علاقات النصوص داخل عائلة النص، وهو «مخطط علاقات النصوص» الذي أسماه نبهان Bibliogram وهي كلمة جديدة على اللغة الإنكليزية، ويتفرع منه «المخطط الزمني لعلاقات النصوص»، وأسماه نبهان للمرة الأولى أيضاً ب Biblio – Chronogram لوصف وتمثيل الامتداد الزمني لتأثير النص في ظهور المؤلفات المتفارعة عليه، وقد بلغ تأثير بعض النصوص ثمانية قرون. وأيضاً اكتشاف وتسمية سبعة أشكال من الببلوغرام في التأليف العربي، وتحليل علاقات التفارع للنصوص على نص أصلي، وابتكار مصطلحات جديدة لوصف وتسمية هذه العلاقات. وقد أمكن تحديد نحو ستين نوعاً من التأليف النصي، وتحديد خصائص كل نوع وطبيعة الجهد العلمي في تأليفه، ووظائفه الاتصالية العلمية، وعلاقاته مع الأنواع الأخرى، وتصنيف هذه الأنواع من التأليف وجدولة الوظائف المقابلة لها ونماذج استخدامها. كما يحدد نبهان آليات التأليف العربي في الخطوط الرئيسية التالية: التأليف التمهيدي للنص (ويتمثل في المقدمات بأنواعها). تشغيل النص (مثل التلخيص والتهذيب). تحويل النص (مثل الترجمة وتغيير بيئة النص ونظمه... إلخ). مصاحبة النص (مثل الشروح بأنواعها) خدمة النص ومحاورته (مثل الكشافات والأطراف ومعارك النصوص ونمذجة النص واحتواء النص... إلخ). استقراء ظواهر مهمة في التأليف العربي مثل تكامل النصوص، وتواصلها وتراكمها. استقراء بعض الخصائص السوسيولوجية للاتصال العلمي في الحضارة العربية وانعكاس العلاقات الاجتماعية في المجتمع العلمي على علاقات النصوص وأشكال التأليف والاتصال العلمي.