لفت انتباهي في معرض الكتاب الأخير في القاهرة «فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية في مجموعة السليمانية» وهي إحدى مجموعات المكتبة السليمانية في إسطنبول، والتي تضمّ أكثر من مئة مجموعة من المجموعات التي كانت موزعة على مكتبات إسطنبول وجوامعها ومدارسها، وقد عرض الفهرس في جناح «دار المنهاج» السعودية، وهو الفهرس الثاني الذي يصدر عن مؤسسة «سقيفة الصفا العلمية» التي أصدرت سابقاً فهرس المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية النمسوية في مجلد واحد. وتبيّن لي أن «دار المنهاج» تتولى توزيع إصدارات سقيفة الصفا العلمية التي تعنى بالتراث الإنساني والإسلامي والعربي، ومن نشاطاتها فهرسة مخطوطات التراث والحفاظ عليها، وهي تتولى حالياً فهرسة مكتبة الأزهر في مصر. يقع هذا الفهرس في ثلاثة مجلدات فاخرة، ويتألف كل مجلد من 672 صفحة، وكتب تقديم الفهرس أمير أش مدير مكتبة السليمانية، وأعدّ الفهرس الدكتور محمود السيد الدغيم، وهو ذو خبرة في هذا الميدان، إذ ساهم سابقاً في تحرير خمسة مجلدات (من الرابع حتى الثامن) من فهرس المخطوطات العربية والتركية والفارسية والبوشناقية المحفوظة في مكتبة الغازي خسرو بك في ساراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، كما ساهم في تحرير فهرس المكتبة الخالدية في القدس. ونظراً الى ما توافر للسيد الدغيم من خبرة، وثقافة واسعة، فقد جاء فهرس السليمانية مميزاً من حيث الإعداد والتوثيق والإخراج. ورد توضيح هذه الميزات في مدخل الفهرس الذي جاء فيه ما نصّه: «لقد اتّبعنا في ترتيب هذا الفهرس الترتيب نفسه الذي اتّبع في إعداد الدفتر الحميديّ الخاصّ بمخطوطات مجموعة السّليْمانيّة، والذي أمر بإعداده أمير المؤمنين العثماني عبد الحميد الثاني يرحمه الله تعالى. وسبب اتّباعنا ذلك الترتيب هو أنّ الترقيم الحميديّ هو المعتمد في المكتبة السّليْمانيّة بشكل عام قديماً وحديثاً، وتغيير الأرقام قد يؤدّي إلى إعاقة التواصل بين الباحثين عن المخطوطات والقيّميْن عليها في المكتبة. وإمعاناً منّا بتسهيل مهمّة الباحثين فقد زودنا معْظم المخطوطات بأرقام المصورات الميكروفيلمية، والأقراص المدمجة (C.D)، وصمّمْنا فهرساً إلكترونياً على قرص مدمج (.D.V.D) يتضمن معلومات عامّة عن كلّ مخطوط باللغتين العربية والتركية، وصور بدايات المخطوطات ونهاياتها وما فيها من لوحات فنية، وهذه ميزات لم تلْحظْ في أيّ فهرس قبْل هذا الفهرس، وألْحقْنا به مصورات للعديد من المخطوطات النفيسة لكي يطّلع الباحثون عليها ويعْرفوا نوعيّتها. وقد لاحظنا تداخل المواضيع في الترتيب الحميدي، ووجود بعض المخطوطات في غير سياق العلوم التي تنتمي إليها، فتجاوزنا هذه العقبة بإضافة كشّاف ألفبائيّ بأسماء المخطوطات، يساعد الباحثين على الوصول إلى مبتغاهم بسهولة ويسر، ويضع أمامهم كافّة المخطوطات الخاصّة بكتاب ما في مكان واحد متسلسل، وبذلك يتمّ تجاوز عقبة توزّع مخطوطات الكتاب الواحد في الترتيب الحميدي. ولتسهيل وصول الباحثين إلى ما يطلبون زوّدْنا الفهرس أيضاً بكشّاف ألفبائيّ بأسماء المؤلفين، وأدْرجْنا في الهوامش إحالات تشيْر إلى أماكن وجود بقية مخطوطات الكتاب إنْ وجدتْ متفرقةً غير مجتمعة. لقد اتّسمتْ معظم فهارس المخطوطات بالجفاف والجمود، وندرة المعلومات حول المخطوطات ومؤلفيها، وتباينتْ أساليب المفهرسين، واقتصر معظمهم على إيراد مختصر قصير جداً لبدايات المخطوطات ونهاياتها؛ تقليداً للمستشرقين الأعاجم، ولذلك تجاوزنا الأساليب القديمة في هذا الفهرس، فتوسّعنا حسْب الضرورة في إيراد أوائل المخطوطات وأواخرها؛ وذلك لإعطاء صورة واضحة عن أسلوب المؤلّف، وتثبيت هويّة المخطوط بمعلومات مقتبسة من مقدّمته وخاتمته. وضبطْنا معظم وفيات المؤلفين بالتاريخ الهجري والميلادي، وأوردنا أسماءهم، وأسماء آبائهم وأجدادهم، ومذاهبهم وما اشتهروا به، وترْجمْنا لعدد غفير منهم مع الإحالة على المصادر والمراجع الْمعْتبرة، وذكرْنا العديد من مؤلفاتهم، وأماكن وجود مخطوطاتها وأرقامها، وأشرنا إلى طباعتها حسْب ما تمكّنا من معرفته. وذكرْنا العلاقات التي ربطت الكثير من كتب الْمتون بالحواشي والشروح والمختصرات؛ وذلك منْ أجْل خدمة الباحثين، ولكسْر الْجمود الذي اتسمتْ به معظم فهارس المخطوطات. وهدفنا من ذلك هو تقديم مواد ثقافية إضافية إلى مادة الفهرسة، وأشرنا إلى الكتب المنحولة التي نسبها أهل الأهواء والبدع إلى غير مؤلفيها، وكشفْنا الكثير من المؤثّرات الدّخيلة التي تأثّر بها المؤلّفون جرّاء ضغوط الظّلمة من قبل المنحرفين، لا سيّما أثناء تسلّط الإيلخانيين المغول أحفاد هولاكو، ومن انتحل نحلهم من التّيموريين وغيرهم من المارقين. وهدفنا من ذلك إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وردّ الباطل على مروّجيه، فجاء هذا الفهرس أشبه بالتأليف المدروس من بعض النواحي بالإضافة إلى ما تضمّنه من فهرسة للمخطوطات.» (انظر المجلد الأول؛ ص: 12-15. أكثر ما لفت انتباهي في هذا الفهرس هو وجود قرص مدمج (.D.V.D) وضع في جيب خاصّ ملصق بغلاف المجلد الثالث، فهذه أوّل مرة في تاريخ الفهرسة يرفق بالفهرس الورقي فهرس إلكتروني، وبهذا يحوز هذا الفهرس الرّيادة الأولى في عالم علوم الفهرسة عالمياً، بل هو فتح جديد يتيح للباحث الاطلاع على صور لبدايات المخطوطات ونهاياتها التي يتضمّنها الفهرس، بالإضافة إلى صور أخرى متكاملة للإجازات والسماعات ومقابلات العلماء للمخطوطات بمخطوطات أخرى، وصور للصفحات التي امتازت بميزات فنية من تصوير وتذهيب وتلوين، ورسوم بيانية، وصور نفيسة لأغلفة المخطوطات المملوكية والعثمانية، وقد تجاوز عدد الصور التي تضمّنها القرص المدمج (.D.V.D) العشرين ألف صورة، وهذا العدد من الصور يتيح للمهتمين بالتراث لا سيما أساتذة كلّيات المكتبات وطلابها الاطلاع على آلاف الصور، كما يكشف معلومات جديدة تسلّط الأضواء على طرق التحقيق والتحقّق التي اتّبعها علماء السّلف الصالح. وفي القرص المدمج (.D.V.D) أيضاً نسختان من الفهرس الورقي، أما النسخة الأولى فهي بصيغة وثائق (ميكروسوفت وورد) وهي في أربع وثائق، تتضمن الوثيقة الأولى محتويات المجلد الأول من النسخة الورقية، وتتضمّن الوثيقة الثانية محتويات المجلد الثاني، وتضمن الوثيقة الثالثة محتويات المجلد الثالث، وتتضمن الوثيقة الرابعة محتويات المجلدات الثلاثة في وثيقة واحدة، وهذا يسهّل على الباحث عملية البحث عمّا يريد بكل سهولة ويسر. كما توجد نسخة من الفهرس الورقي بصيغة بي دي أف (PDF) موزعة في ثلاث وثائق تخصّ كل واحدة منها مجلداً من مجلدات الفهرس الورقي الثلاثة. اقتصر الفهرس الورقي على تثبيت المعلومات الخاصة بالمخطوطات باللغة العربية، أما الفهرس الإلكتروني الْمصمّم بصيغة بي دي أف (PDF) فقد تضمّن كل المعلومات الواردة في الفهرس الورقي، ولكن تمّ وضعها مخطوطةً تلو الأخرى، إذ ترد معلومات المخطوطة الواردة بالنسخة الورقية في صفحة خاصة باللغة العربية، ثم تتبعها صفحة تتضمن بطاقة باللغة التركية مطابقة للمعلومات المتوافرة على أجهزة الحاسوب المتاحة للباحثين في قاعة المطالعة في المكتبة السليمانية، وتتبع صفحتي المعلومات العربية والتركية صور المخطوطة ابتداءً بالغلاف إذا كان مميّزاً، ثم الصفحة الأولى والثانية، وما بعدهما أحياناً، ثم الصفحتين الأخيرتين وما قبلها أحيانا أيضاً. ومن خلال استعراضنا لمحتويات الفهرس الإلكتروني تبيّن لنا من خلال العينات التالية؛ أنّ عدد صور المخطوطة الواحدة تراوح ما بين صور أربع صفحات وأكثر حتى 22 صفحة مصوّرة، ومتوسط ذلك هو 13 صورة لكل مخطوطة، وبما أن عدد المخطوطات المفهرسة هو 2165 مخطوطة فهذا يعني أن الفهرس الإلكتروني تضمن 28145 صفحة مصورة، وهذا عدد من الصور لا يستهان به، وهو فتح مبين لم يسبق في عالم فهرسة المخطوطات. ومن المخطوطات التي أدرج لها أقلّ عدد من الصور، وهو صور أربع صفحات: المخطوطة الرقم 41/ 41. وعنوانه: ترتيب زيبا. تأليف: الحافظ محْمود الوارداري (ت 1054ه -1644م) أما الرقم: 145/ 119، وعنوانه: تفسير الكشّاف عن حقائق التنزيل. تأليف: محْمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه 1144م) وهو مخطوط عثماني أدرجت له صور عشر صفحات. والرقم 148/ 122، وعنوانه: تفسير الكشّاف. المجلد الثاني. وهو مخطوط عثماني أدرجت له صور 12 صفحة، والرقم: 161/ 134، وعنوانه: مدارك التنزيل وحقائق التأويل. تأليف: عبدالله بن أحمد النسفي (ت710ه - 1310م). وهو مخطوط عثماني، قد أدرجت له سبع صور. والرقم: 177/ 150 وهو مخطوط مملوكي وغلافه عثماني، أدرجت له صور سبع صفحات. وعنوانه: حاشية على الْبيْضاوي (ج: 3). تأليف: أحمد بن محمّد، الخفاجي، المصري (ت 1069ه - 1659م). والرقم 235/ 201، وعنوانه: الجامع الصغير في حديث البشير النذير، امتاز بالمواصفات التالية: الأحاديث والرموز مكتوبة باللّون الأحمر. واللوحة الأولى والجداول مذهّبة، وفي آخره لوحة مذهّبة مكتوب فيها بالذهب: «كتبت برسم خزنة افتخار الأكابر والأعيان... مولانا مصْطفى آغا مستحفظان بمصر المحروسة»، وقد أدرجت له تسع صور، والرقم: 351/ 310، وعنوانه: صحيح البخاري (ج: 2). وأدرجت له: 13 صورة، والرقم 380/ 332، وعنوانه: مصابيح السنة. وعلى الهوامش شرح علي بن سلطان محمّد القاري. تأليف: الحسين بن مسعود البغوي، الفراء الشافعي (ت510ه) أو ( 516ه) وقد أدرجت له: 17 صورة، والرقم 383/ 335، وعنوانه: مصابيح السنة. تأليف: الفراء الشافعي، وقد أدرجت له عشر صور. والرقم 391/ 343، وعنوانه: المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية. تأليف: أحمد بن محمّد القسْطلاّني (ت 923ه - 1517م)، أدرجت له 16 صورة. والرقم 396/ 346 وعنوانه: إحكام الإحكام في أصول الأحكام. تأليف: علي بن أبي علي سيف الدين الآمدي (ت 631ه - 1233م)، أدرجت له: 12 صورة. والرقم 424/ 371، وعنوانه: شرح المغني في أصول الفقه، تأليف: منصور بن أحمد بن يزيد، القاآني، (القاءاني) (ت 775ه - 1373م)، أدرجت له: 17 صورة. وغلافه مملوكي نفيس. والرقم: 451/ 390، وعنوانه: الإلهامات الربانية في الخطب السّلْطانية السّليْمانيّة. تأليف: أحمد بن محْيي الدّين محمد، النعيمي، الدمشقي، خطيب جامع السّليْمانيّة، كان حيّاً سنة (992ه - 1584م) أدرجت له 17 صورة. والرقم 455/ 393، وعنوانه: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. (ج: 1). تأليف أبو بكر بن مسعود الكاساني (ت587ه - 1191م) أدرجت له 10 صور، وهو مملوكي، والرقم 463/ 401/ تركي، وعنوانه: تبيين المرام في شرح رسالة حمزة أفندي في البيع والشراء. تأليف مصْطفى بن عبد الله، طريقتجي أمير، تاريخ التأليف سنة ( 1143ه - 1730م)، أدرجت له: 18 صورة، والرقم:465/ 403/تركي، وعنوانه: تحفة الشاهان في فروع الحنفية. تأليف: أيوب بن موسى، الحسيني، الكفوي، أبو البقاء، القريمي، قاضي القدس (ت1094ه - 1683م) أدرجت له 17 صورة، والرقم 516/ 448، وعنوانه: درر الحكام في شرح غرر الأحكام. تأليف محمّد بن فرامرز، ملاّ خسْرو (ت 885ه - 1480م)، أدرجت له 14 صورة، والرقم:536/ 460، وعنوانه: تحفة الحريص في شرح التلخيص للخلاطي، تأليف: علي بن بلبان، المصري، (ت 739ه - 1339م، أدرجت له: 19 صورة، والرقم 585/ 507، وعنوانه: عقد القلائد في حل قيد الشرائد ونظم الفرائد. تأليف عبدالوهاب بن وهبان، المزي، الدمشقي (ت 768ه - 1367م) أدرجت له 14 صورة، والرقم:589/ 510، وعنوانه: حلبة المجلي وبغية المهتدي في شرح منية المصلي وغنية المبتدي (ج:2). تأليف محمّد الحلبي، ابن أمير الحاج (ت 879/ 1474م)، أدرجت له 13 صورة، والرقم 633/ 553، وعنوانه: معراج الدراية، في شرح الهداية (ج: 2). تأليف: محمّد بن محمّد، قوام الدين الكاكي (ت 749ه - 1348م) أدرجت له: 16 صورة، وهو مملوكي، والرقم 649/ 569، وعنوانه: كشف المروط عن محاسن الشروط. تأليف الحسن بن عمر الحلبي، أبو طاهر (ت 779ه - 1377م)، أدرجت له: 16 صورة. والرقم 677/ 597، وعنوانه: مجمع المنتخبات. تأليف: مصْطفى بن عيسى الأنقروي؛ وفاته بعد سنة (899ه - 1493م) أدرجت له 16 صورة، والرقم 1178/ 846/ تركي، وعنوانه: عمدة الحساب في الفروض المقدرة بالكليات. تأليف نصوح بن عبدالله السلاحي، المطراقي، مطراقجي (ت 940ه - 1533م) أدرجت له 22 صورة. حبّذا لو يقتدي كل المفهرسين بهذا العمل، وذلك بالاستفادة من التطور التكنولوجي لإتاحة مشاهدة الآلاف من صور المخطوطات التي تختزنها مكتبات التراث العربي والعالمي. * باحث مصري