اختصرت كوكب الشرق أم كلثوم التي ولدت في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1889 وتوفيت في 3 شباط (فبراير) 1975، عهداً كاملاً من الفن والطرب، وشكلت الذائقة الموسيقية لجيل كامل في مصر والعالم العربي، بالتعاون مع عباقرة زمانها في التلحين والشعر، رياض السنباطي ومحمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وأحمد رامي وبليغ حمدي ونزار قباني وجورج جرداق. ولمناسبة ذكرى ميلادها ال 115 آخر الشهر الجاري، ينظم متحف أم كلثوم في القاهرة مهرجان «متحف أم كلثوم للمدارس». ويحرص القائمون عليه على تفعيله بشكل ورش فنية، مقترنة كلها بأم كلثوم وأغنياتها، بشكل مباشر أو شكل ثانوي لغرس جماليات الموسيقة الشرقية الأصيلة في نفوس جيل جديد. الفعاليات التي تستمر خمس ساعات يومياً، تبدو كوجبة دسمة، وتشبه أغنيات لأم كلثوم، طويلة ومتماسكة ومكونة من مقاطع عدة. فبينما تقدم قاعة العرض الملحقة بالمتحف فيلماً عن دور أم كلثوم في ما عُرف بال «المجهود الحربي» عندما كانت تخصص إيرادات حفلاتها لمصلحة القوات المسلحة، تعرض ردهات المتحف صوراً نادرة لكوكب الشرق، ومقتنياتها الشخصية، ونظارتيها المطعمتين بالماس، والقصائد التي غنتها مكتوبة بخطوط مؤلفيها، وشهادات تكريم ممهورة بتواقيع العديد من الملوك والزعماء العرب ورؤساء دول، وقفازاتها وجواز سفرها. ومن ثم تأتي الورش الفنية التفاعلية. التي تنظمها إدارة المتحف، لتكمل الأجواء الاحتفالية بذكرى ميلاد سيدة الغناء العربي. وتشرف الدكتورة نهلة مطر مديرة المتحف على الأنشطة والورش. تنطلق بين مجموعات التلاميذ بنشاط وحيوية، تروي قصص الفساتين التي كانت أم كلثوم تفضلها، الفستان الذي ظهرت به في حفلة باريس، أو ذاك الذي كانت ستظهر به في حفلة موسكو، قبل أن تعود إلى مصر وتلغي الحفلة بعدما علمت بوفاة عبدالناصر. تقول مطر: «اعتدنا على تقديم الورشة المقترنة بأم كلثوم، ورشة اليوم الواحد، ونركز هذه المرة على ورش الإيقاع التعبيري، وورش رسم الصوت، كما ندعم الجانب النظري عن طريق جولة متحفية، فنعرف الزوّار على التاريخ الموسيقي والفني لأم كلثوم، أغنياتها وملابساتها، متى غنتها وفي أي مناسبة ومع من من الملحنين والشعراء تعاملت». ورش فنية تهدف ورشة الإيقاع التعبيري إلى ترجمة المقدمات الموسيقية لأغنيات أم كلثوم بشكل حركي راقص، وتشرف على الورشة مروة عبدالسلام، المدرّسة في كلية التربية الموسيقية. وتقول: «باستخدام الموسيقى فقط مجردة من الصوت، ندرّب الطلاب على التعبير الحركي، إذ يشكل الارتباط الحركي بموسيقى كوكب الشرق ذاكرة إضافية أخرى لهؤلاء الشباب، تستوعب موسيقى أم كلثوم وتستبطنها، لتزاحم الموسيقى الشبابية التي اعتاد هؤلاء الصغار عليها. نريد أن نرسخ جماليات الغناء العربي عبر سيدته في وعي الطلاب». إلي جانب ورشة الإيقاع التعبيري، تشرف داليا سعيد على ورشة «تذوق موسيقي» تعمل على تنمية القدرات الفنية، عن طريق الرسم على خلفية موسيقية لأغنيات أم كلثوم. رسم صورة رمزية لها، أو قص ولصق صور فوتوغرافية. واختارت سعيد التطوع في الفعاليات بعدما لمست حاجة الأجيال الشابة إلى التعرف الجاد على القيمة الفنية لأم كلثوم. وتوضح سعيد: «أنا خريجة تربية موسيقية، وأشرف هنا على ورشة لدفع الطلاب إلى ربط رسومهم بموسيقى السيدة أم كلثوم. لا نطلب منهم رسم موضوعات محددة، وإنما نعمل على تنمية خيالهم بأن يرسموا ما تمليه عليهم الموسيقى. نريد أن نهرب بهم من المحدودية الخيالية المصاحبة للمواد الدراسية، ونضعهم في أفق فني قد يساهم في كشف مواهب حقيقية». وتضيف: «شاهدنا أم كلثوم بالأبيض والأسود، لا نريد أن ترتبط موسيقاها بصرياً عند هؤلاء الطلاب بالأبيض والأسود، لذلك نطلب منهم أيضاً أن يرسموا الفساتين الملونة والمقتنيات التي كانت أم كلثوم تستخدمها، لنصنع في أذهانهم تصوراً ملوناً للموسيقى الرائعة التي قدمتها كوكب الشرق». لا تقتصر قيمة أم كلثوم على البصمة الفنية الهائلة التي تركتها في مجال الموسيقى والغناء، فالسيدة التي غنت «أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي»، أدت دورها في محاولة النهوض بالقوات المسلحة المصرية عقب نكسة 1967، فسارعت إلى إقامة حفلات في بلدان مختلفة تبرعت بكل مدخولها للجيش، ما حدا بمجموعة كبيرة من الفنانين إلى أن يحذوا حذوها.