خلال السنوات الفائتة، حين كنا نقول ان عدد المهرجانات السينمائية التى تقام في الكثير من المدن العربية طوال عام كامل، أكبر من عدد الأفلام التي تنتج في البلدان العربية وتصلح حقاً لأن تعرض في المهرجانات، كان من الواضح اننا نبالغ بعض الشيء... لنضخّم من حجم الصورة السلبية، لعل الكلام يفيد. أما في هذا العام المنقضي، فإن في وسعنا ان نقول الشيء ذاته ونحن واثقون من ان لا مبالغة في الأمر على الإطلاق. ففي شكل عام (اذا استثنينا المغرب الذي بات يشكّل المفاجأة الطيبة في كل عام، ولبنان الذي يتجاوز كمّياً فقط اية ارقام سنوية حققها منذ ثلث ربع قرن وأكثر)، سنجدنا أمام ضحالة كمية ونوعية تدق ألف ناقوس خطر. ولعل خير دليل على هذا خلوّ آخر مهرجانات العام (مهرجان دبيّ) من اي افلام عربية ذات شأن... ولنلاحظ هنا انه اذا كانت قد أُلغيت اواخر العام المهرجانات الأكثر عراقة في العالم العربي (القاهرة وقرطاج ودمشق) مفسحة في المجال لحصول بقية المهرجانات على ما توافر من افلام، فكيف كانت الحال لو ان هذه المهرجانات الكبيرة والعريقة لم تلغ؟ ومع هذا كان عام 2011 عام الثورات العربية التي سميت بثورات «الربيع العربي». ولعل هذا الاسم يليق اصلاً بأن يكون اسماً سينمائياً... طالما يقال لنا ان السينمائيين الشبان والأقل شباباً، كانوا في طليعة الانتفاضات، وفنونهم كانت الفنون الأكثر احساساً وتعاطفاً مع الاحتجاجات. لكن العام مرّ من دون ان يكون للسينما فيه فعل حقيقي حتى وإن تنقلت بضعة شرائط (استفاد معظمها من مشاهد صوّرت خلال الاعتصامات والتظاهرات)، بين المهرجانات المحلية والعالمية محققة من حولها تعاطفاً سياسياً بأكثر مما بدت مواكبة للفعل الثوري ودلالاته، على الأقل على صعيد استخدام لحظة الحرية – التي نأمل ألا تكون عابرة! – لقول امور مهمة تتعلق بالذهنيات المطلوب تغييرها بأكثر مما تتعلق بالمواقف المطلوب التعبير عنها. ربما نكون في هذا الكلام من اولئك المطالبين السينمائيين بأكثر من طاقتهم... وربما نكون من اولئك الذين يحاولون استباق الأمور... لكنه امر لا نعتذر عنه بالنظر الى ان التصريحات السينمائية طوال عام «الربيع» لم يفتها ان «تؤكد» ان السينما، في مصر وخارجها، كانت اول من استشعر ما سيحدث وتنبّأ به... والذين يقولون هذا يدعمون عادة كلامهم بذكر اسماء لأفلام حققت قبل «الأحداث» مشيرين الى مكامن التوقّع او النبوءة فيها. والحقيقة انك إن بحثت جيداً في ثنايا الأفلام وبين سطورها، ستجد صدقية ما لهذا القول، ولكن هل حقاً يمكن الفعل السينمائي الثوري ان يختبئ الى هذا الحد بين الثنايا؟ اية فاعلية ستكون له إذّاك؟ غير اننا اذا كنا قد فضّلنا ان نتوقف عند هذه النقطة، فلا بد لنا من ان نقول انها واحدة من نقاط عدة اخرى تتعلق بالحالات السينمائية الراهنة في البلدان العربية... اما الباقي فيتعلق بتراجع في تجليات هذه الحالة لا علاقة له بالربيع العربي في شكل مباشر على الأقل. وآية ذلك ان القارئ ما إن ينتهي من تصفح جملة الاستنتاجات الواردة في هاتين الصفحتين المخصصتين لاستعراض احوال السينمات العربية طوال العام المنتهي، حتى يستنتج أنّ النتيجة سلبية في معظم الحالات حتى وإن كانت تونس، على سبيل المثال قد تمكنت من ان ترسل الى المهرجانات فيلماً او فيلمين عن ثورتها، هي التي كان ديكتاتورها المخلوع قد اعلن العام السابق عام السينما في بلاده! وحتى اذا كانت المهرجانات الخليجية (ابو ظبي، الدوحة ودبيّ) قد واصلت حضورها منفقة على السينما،- قضية وبهرجاً في الوقت نفسه! – ملايين الدولارات، ناهيك بالمساعدات التي تقدمها الى السينمائيين بسخاء ما ادى الى سحب البساط من تحت اقدام المهرجانات الأخرى. حتى وإن كانت اصوات السينمائيين بدت الأكثر صخباً ولعلعة في الحديث عن السينما ودورها في «العصور العربية الجديدة». وحتى وإن كانت مجموعة افلام نسائية، إخراجاً او موضوعات، قد دفعت بعض المستعجلين وأصحاب النيات الطيبة الى القول ان السينما باتت في صلب قضية المرأة العربية! الحقيقة ان الوضع على رغم هذا كله اتى مزرياً في فلسطين كما في سورية، في العراق كما في مصر، وفي بلدان الخليج في شكل عام كما في تونس والجزائر. اما الاستثناءان المغربي واللبناني، فلا بد من القول ان اولهما يتعلق بقفزة شكلية مهمة جداً لكنها تبدو عاجزة عن استقطاب جمهور محلي تاركة هذا الجمهور فريسة لكل ما هو تقليدي يكاد يكون خارج السينما، والثاني – اي الاستثناء اللبناني - فإنه يكاد يكون مجرد امتداد – كما تقول المقالة المخصصة للبنان في هاتين الصفحتين – ليس للمسلسلات التلفزيونية بل – وهذا اسوأ - لبعض اكثر الفيديو كليبات بؤساً وتهافتاً. وإذ نقول هذا مدعوماً بالمقالات المنشورة هنا، قد يكون من المفيد القول ان العام وقبل ان ينتهي، أطل علينا بخبر له دلالة شديدة الأهمية وهو آت، هذه المرة من السعودية، اي من البلد الذي لا حضور للسينما فيه صالاتٍ وإنتاجاً: ويفيد الخبر بأن مهرجان الجنادرية شديد الرسمية عادة، ينظم في دورته لهذا العام، وربما للمرة الأولى في تاريخ السعودية الرسمي ندوة حول السينما ضمن نشاطاته... صحيح ان الندوة تكاد تكون سياسية الطابع انطلاقاً من موضوعها المقرّر، لكن أفليس في إمكاننا اعتبارها الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل؟