لا يصحب حضوره من الضجة ما يستحقه، لكن غيابه يكشف عن قيمته، حاول مدربه مرة أن يسلط الضوء على دوره فأشركه مع الفريق البديل في نصف مباراة ودية، فتقدموا مع نهاية الشوط الأول بهدفين نظيفين، وفي شوطها الثاني أشرك الأساسيين من دونه، فانتهت المباراة بالتعادل. لكن الجماهير خارج الملعب ماتزال عاجزة عن إدراك قيمته الحقيقية، إنه قائد الملعب وسيد الإيقاع، حامل المفاتيح وصانع التفوق، الذي يمتلك من الملعب ما يشاء فيستعيد لفريقه ما فات وبهدوء تام، في حضوره تبدو الأمور أكثر سهولة، والصفوف أكثر رتابة، فتختفي المساحات وتصغر الملاعب فجأة. لاعب الشباب وقائده «الفني» فرناندو مينغازو يمتلك من مواصفات القائد الفعلي داخل الملعب حصة تمنحه حق التوجيه حتى في غياب الكلمات، أداؤه في الغالب يرسم معالم الفريق، فقدرته الفائقة على التحكم بالكرة إضافة إلى نجاعة نقلها، تدفع أغلب اللاعبين إلى البحث عنه. يكفي أن نقول إن الشباب لعب على مدى ثلاثة مواسم 65 مباراة دورية شارك مينغازو في 61 منها، إذ غاب عن أربع مباريات فقط في موسمه الأول نتيجة الإيقافات، لكنه شارك في مباريات الموسم الثاني وما مضى من الموسم الجاري كافة، من دون أن ننسى أنه شارك في كل مبارياته ال61 أساسياً. أرقام مينغازو تقول صراحة إنه بات الركيزة الأساس لفريقه. وعلى رغم بروزه الفني فإنه من الصعب وصف مينغازو بصانع الأهداف، فهو غالباً يتولى ترتيب الصفوف الخلفية، لكنه صانع «الهجمات» الأول في فريقه، ذلك أن الكرات التي تبدأ عادية ويتناقلها اللاعبون بثقل من دون فكرة واضحة، تكتسب خطورتها بعد ملامستها الأولى لقدم اللاعب البرازيلي، الذي ينجح غالباً في منحها صفة الهجمة بفكرة تترجمها التمريرة المنتظرة، لذلك يقف سجله في صناعة الأهداف عند سبعة أهداف في أول موسمين له مع الفريق، فيما لم يصنع أي هدف هذا الموسم، لكنه سجل إلى اليوم ثلاثة، بينما سجل ستة في الموسمين الماضيين. وفي شكل عام يعاني لاعبو المحور من حاجتهم الدائمة إلى انضباط الفريق في شكل كامل ليبرز دورهم، لذلك تجدهم في أغلب الأحيان يعملون على التحكم برتم الفريق، ولأن مينغازو أحدهم فبروزه يرتبط غالباً بانضباط المجموعة، وفي غيابه يفقد اللاعب البرازيلي تركيزه فيتولى تأدية أدوار غير منوطة به، فيتخلى عن دوره الرئيس ويفقد الفريق اتزانه، ليخلق بهذا الدور سلبيته الوحيدة. مدرب الشباب البلجيكي السابق ميشيل برودوم، الذي كشف في مباراة ودية للمجموعة عن قيمة مينغازو، تحدث غير مرة عن دوره في الفريق وعن المكاسب التي يمنحها لزملائه في أحاديث عامة وخاصة، كما عزا إلى اللاعب البرازيلي الفضل الأكبر في خطف الشباب لقب الدوري، قبل موسمين. إدارة الشباب التي استقطبت مينغازو وسط هدوء تام لم تحرص على تسليط الضوء عليه، فحرمته من الشهرة التي يبحث عنها لاعبون جدد، لكنها في المقابل أبعدته من الضغوط ليصنع حضوره وسط تأييد تام، من دون أن تلقى على كاهله أعباء قيمة انتدابه الضخمة أو سيرته مع الأندية التي مثلها. لمن لا يعرف فرناندو قد يبدو اللاعب، بناء على تاريخه وقيمته، شخصية يصعب التعاطي معها، لكنه وبالنسبة للاعبي الفريق لاعب بسيط متواضع وودود، والأهم من ذلك أنه قادر على الانسجام مع عادات المجتمع السعودي في شكل ملفت، إذ يرتدي الزي السعودي، ويتناول الوجبات المحلية، ويحرص على قضاء أوقات طويلة خارج النادي برفقة زملائه السعوديين، كل تلك العوامل تمنح حضوره داخل الملعب الراحة المطلوبة وتبعده من الضغوط التي يعاني منها العاجزون عن التأقلم، وأمثلة هؤلاء كثيرة يتقدمهم برونو سيزار الذي غادر الأهلي أخيراً.