موازنة العام الذي سنصافحه بعد أيام موازنة مطمئنة، تقول إننا قادرون على فعل المستحيل، وتقودنا لتفاؤل غيرنا يفتش عن عُشْرِه، مع مطلع كل عام ميلادي تستأثر أرقام الموازنة بالحديث الأبرز والنصيب الوافر من مجمل أحاديث المواطن ونقاشاته، ليعبُر بحماسة على أجهزة الدولة بالأسئلة والأمنيات وعرض التطلعات والطموحات، يقارن بين عام مضى وعام مقبل، فالمواطن الذي لا يجيد قراءة التفاصيل ولا يفرق بين الميزانية والموازنة أصبح قادراً على فك تفاصيل التفاصيل من جزئياتها وتقسيماتها وأرقامها، وبات يعرف النتيجة قبل السبب. مدفوعاتنا المذهلة تجعلنا غير قادرين على الهرب من ورطة السطر البليغ الذي يقول: هل تتوافق مدفوعاتنا مع ما يتم إنجازه من مشاريع؟ صحيح أن هذه الجزئية السابقة تدفع بالتفاؤل بعيداً على حساب إحضار ما تيسر من طاقم التشاؤم، لكن القفز من سطر أعرج إلى سطر مستقيم من دون التدقيق في سر هذا العرج أو معرفة مسبباته أو الدفع به لصفحة أخرى بحثاً عن علاج، هو قفز يؤدي لسطر أعرج آخر، وقد يتعذر عندها العلاج أو يصبح مستنزفاً للقدرات والإمكانات، أو جالباً للضحكات والهزات. لا أجد أن لوزارة التخطيط ذلك الحضور الذي أقتنع من خلاله أن حضورنا التنموي يسير من مربع واحد، وليس نتاجاً لأفكار فردية تردفها أصوات جماعية، وتنفيذاً متقاطعاً يركز على الأرقام لكنه لا يدقق كثيراً في علاقة الرقم بالواقع أو مدى عقلانيته ومنطقيته، في ظل أن الوعي الاجتماعي مرتفع وقادر على أن يضع الواقع في مقارنة صريحة ومكشوفة مع أي واقع مجاور. المال الوفير الذي بين أيدينا لا يكفي لأن نكون مختلفين، والمال الذي يأتي بسهولة يتأتى له الضياع بسهولة أيضاً، نحن نعتمد على الآخرين في صناعة تنميتنا، والآخرون ليسوا لنا قطعاً، هم زوار مرحلة وشركاء زمن ثم يعودون، المواطن دوره لا يتعدى المشاهدة والمراقبة والتذمر، على رغم أن بالإمكان وضعه في المشهد كطاقة منتجة ومساهمة في مشهد البناء من الألف إلى الياء وعلى مراحل وخطط مرحلية، التخطيط قصير المدى والاعتماد على اقتصاد من بوابة واحدة سيقدمنا في لحظة مفاجئة أمام توهان لم نكن في حاجة إليه، موازنة تلو موازنة ولا نية للتنويع في الإنتاج ولا الصادرات، بل لا زلنا في حصرية الاكتفاء بما تقدمه الظروف المواتية، المال الوفير افتقر بصدق إلى آلية استخدام وتوظيف متقن على رغم كل مساحات التفاؤل التي نقدمها على أية مساحات أخرى، ومع تقديرنا لما نحسبه منجزاً وفعلاً تنموياً يشار إليه بالبنان. الانتظار السنوي المتكرر لمبالغ تقدم أقل من المتوقع والمأمول انتظار لا يثمر إلا على الصعيدين الشكلي والتنظيري، وهذا عائد إلى أن الرؤية لا تزال منحصرة في التركيز على الأرقام بوصفها فلاشاً ضوئياً مبهراً وجالباً لعمى نصف سنوي، ليبقى نصف السنة المتبقي مساحة للشكاوى والتعثر ورمي الكرات من ملعب إلى آخر، وتبقى جملة أن التطلعات تفوق الوضع الراهن بمراحل هي الجملة الأكثر عمقاً واختصاراً في ملف الموازنة ومشهدها حديث الذكر. [email protected] alialqassmi@