أفلام لا تحصى عرضتها الشاشة الصغيرة خلال العقود الماضية، مع ذلك أظل أتذكر فيلمين سينمائيين أراهما حتى اللحظة «مناسبين» تماماً للعرض التلفزيوني: «الأرض» للمصري يوسف شاهين و «دكتور جيفاغو» للبريطاني دافيد لين، وهما حققا نجاحات كبرى في بيتهما الأول، دور العرض السينمائي. هما مناسبان للعرض التلفزيوني وأعني بهذا بنيتهما الفنية وتوافقها مع حال المشاهدة المنزلية بما هي أقرب الى الاسترخاء والمتابعة من دون «تأهب» كما هي حال المشاهدة في دور العرض السينمائية. لا يحتاج كل من الفيلمين لأجهزة صوت ضخمة ولا حتى لتلك الرؤية البانورامية التي تمتد على مساحات شاشة كبرى فالأصل في «الأرض» و «دكتور جيفاغو» هو الحكاية أو إن شئنا الدقة، جاذبية «السرد» وامتلاكه مفردات التشويق كلها، ناهيك بالطبع عن أن الفيلمين يذهبان بعيداً في إنصافهما الروح الفردية للإنسان ولكن من دون أن ينتقص من رؤيتهما للجماعة وهي مرتكز العملين. شاهدت «الأرض» عشرات المرات، وشاهدت «دكتور جيفاغو» مرات أقل، ومع ذلك أتاح لي العرض التلفزيوني فرصاً ثمينة لمعاينة تفاصيل فنية، بل وحتى فكرية لم تكن دار العرض السينمائية قادرة على توفيرها. ما يهم أكثر من أي أمر آخر هنا هو أن تعرض القنوات الفضائية الأفلام السينمائية في صورة تحترم السينما وقيمتها الفنية، أي عرض نسخة نظيفة تمتلك مقاربة حقيقية للفيلم في حال عرضه الطبيعية. أما المشاهدة «المنزلية» فباتت منذ زمن طويل أقرب إلى حال نفسية يحبُها المشاهدون، بل يفضلونها أحياناً كثيرة على الذهاب إلى دور العرض السينمائي. التلفزيون هو ذاكرة السينما، أو لنقل إنه أقرب الى نادٍ سينمائي متوافر دوماً وقادر على العودة متى شاء لنبش أرشيف السينما العالمية وإعادة عرض بعض أهم أفلامها وأجملها، تلك التي شاهدناها ولم يستطع الزمن محوها من الذاكرة، والتي نرغب حقاً في استعادتها عبر الشاشة الصغيرة من جديد وفي عروض «عائلية» كما حالنا مع «الأرض» و«دكتور جيفاغو» لما يتضمناه من تأثير سينمائي بارز وجميل.