لا يطول فرحنا بإعلان تبثُه إحدى الفضائيات عن قرب عرضها أحد الأفلام التي نحبُها، حتى تباغتنا بعد لحظة بأن الفيلم «مدبلج باللغة العربية»، فتخمد حماستنا. هي «ظاهرة» باتت مألوفة في الشهور القليلة الماضية، وعبرها عرض عدد من الأشرطة السينمائية العالمية المرموقة والتي حققت نجاحات كبرى، وباتت تعتبر بين الأهم والأكثر إثارة في أوساط المشاهدين الذين تهمُهم مشاهدتها بعد انسحابها من دور العرض. ربما يجد بعضهم في «دبلجة» الأفلام السينمائية وسيلة للاستغناء عن الترجمة المكتوبة، وكسب أعداد كبرى من المشاهدين الأميين للمشاهدة ذاتها. لكن هذا يجب ألّا يلغي هاجساً ينتابنا كلما عُرِضَ واحد من الأفلام العالمية بدبلجة عربية: ماذا عن اللغة باعتبارها مناخاً درامياً أيضاً؟ المشكلة الأبرز هنا هي في تعامل «المدبلجين» مع اللغة بوصفها وسيلة توصيل ليس إلا، من دون إدراك ارتباطها بالمناخات الاجتماعية لأهلها، وتأشيرها لعوالم المكان والزمان اللذين تجرى فيهما الأحداث الدرامية. الأمر هنا يتجاوز كلمات منطوقة بهذه المفردات أو تلك، وهو بالتأكيد يتجاوز فكرة اللغة «المألوفة» واللُغة الغريبة، إلى ما هو أهم، وهو في المشاهدة التلفزيونية «دمج» المشاهد في الدراما، ونقله من حالة «المراقبة» بحيادها، إلى التفاعل الحقيقي مع ما يجرى أمامه على الشاشة، وجعله يعيش تلك الأحداث. وهذا ما تنتقص منه الدبلجة خصوصاً بما تتسبب فيه من انفصام بين وجوه الممثلين الأميركيين والأوروبيين، وكلمات اللُغة العربية. ليست مسألة «شكلية» إذاً، بل هي تقع في جوهر المشاهدة للأعمال الإبداعية التي لا تحتمل انتهاكات من هذا النوع النافر، فالمشاهد للسينما يهمُه بالدرجة الأولى أن «يصدّق» ما يرى، لأنه من دون التصديق يظلُ في مقاعد «المتفرجين المحايدين» بجلوسهم خارج دائرة التفاعل والاندماج. نقول ذلك في مساحة الفن، أما تلك المساحة التي تعني الرّبح والترويج الإعلاني وملحقاتهما، فهي شأن آخر، نرى أنه لا يجوز أن يكون له الدور الأساس الذي يقرّر لنا كيفية مشاهدة السينما وأفلامها المهمة، وإلا فسد الأمر كلُه.