يُعتبر «هوس الرجولة» أو «عقدة الرجولة»، المبرر الأكثر ترداداً لدى السؤال عن سبب إدمان الأطفال على التدخين، وإليه تضاف أسباب أخرى بعضها مرضي. فالطفل الإندونيسي الذي تناقلت حكايته وسائل إعلامية كثيرة عام 2010، لم يكن تجاوز العامين من العمر عندما أذهل العالم بإدمانه على التدخين، وبعد فترة من الزمن عاد وأذهل العالم من جديد بلإقلاعه عنه، وإدمانه المأكولات السريعة. وفي العالم العربي يُلاحظ المراقبون ارتفاعاً في أعداد الأطفال المدخنين، متوقعين زيادة متواصلة نتيجة الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية السيئة في عدد من هذه البلدان. إلى ذلك، لا يبدو الإعتقاد السائد بأن أطفال الشوارع والمشردين مدمنون على التدخين دون غيرهم، صحيحاً في شكل تام، إذ يلجأ كثير من الأطفال إلى التدخين في محاولة لتقليد أحد الوالدين. وأكد بلال (14 عاماً) أنه بدأ التدخين قبل ثلاث سنوات مع مجموعة من أصدقائه، وقال: «أشعر بالرجولة عندما تكون السيجارة بين أصابع يدي، فجميع الرجال يدخنون تماماً كما يفعل والدي الذي أحبه وأفتخر بقوته ورجولته أمام الناس، وهكذا أريد أن أكون مثله رجلاً». وأكد اختصاصي الأمراض الصدرية سعيد الأطرش أن «الأطفال المدخنين يعانون من أمراض خطيرة نتيجة الإدمان المبكر، ونتيجة المواد السامة التي تتراكم في أجسادهم بكميات كبيرة بسبب عدد سنوات التدخين الطويلة والمبكرة. وبالتالي يصبح جسد الطفل منهكاً صحياً ومعرضاً أكثر من غيره للإصابة بأمراض السرطان في الرئة والقلب وأمراض الشرايين، واحتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية المدمرة». وشدد على أن «التدخين أُثُبت علمياً بأنه الوباء الأكثر خطراً وضرراً على الصحة والحياة، ولا ننسى خطر التدخين السلبي على الأطفال نتيجة تدخين أحد الوالدين، فالجو المشبع بالدخان يزيد خطر إصابة الأطفال بأمراض الجهاز التنفسي والشعب الهوائية وأمراض القلب المبكرة، إذ أن 400 إلى 500 طفل سنوياً يُصابون بأمراض خطيرة في التنفس نتيجة التدخين السلبي». وعلى رغم الخطورة التي يشكلها التدخين على حياة الإنسان، بخاصة وأن أرقام موثقة من منظمة الصحة العالمية، أكدت تسبّب التدخين ب5.7 مليون حالة وفاة سنوياً، وعلى رغم المحاولات المبذولة عالمياً للحد من هذه الظاهرة، وما تم توقيعه من اتفاقيات عالمية بإشراف «منظمة الصحة العالمية» ومشاركة معظم دول العالم للتوعية من مخاطر التبغ، ومنع الإعلان عن منتجاته في وسائل الإعلام، إلا أن المعالجات لم تحدث تغييراً يذكر، بخاصة في الدول العربية. ففي بعض هذه الدول تم إصدار قرارات تمنع التدخين في الأماكن العامة، وقرارات أخرى تمنع بيع سجائر التبغ لمن هم تحت سن الثامنة عشر، غير أن الواقع كشف أن هذه القرارات لم تُطبق بالكامل، نتيجة لغياب المراقبة والملاحقة. كما يلاحظ غياب البرامج الحكومية العلاجية والجلسات الإستشارية لمساعدة الأطفال المدمنين، إذ أن دور الحكومات العربية بقي عاجزاً عن معالجة مشكلة الإدمان المبكر ومسبباتها الكثيرة، وعلى رأسها الجهل والفقر.