تشتعل حرب جدلية يومية بين فارس (14 سنة) وأمه حول الوقت والمسافة التي يجب أن يجلسها مقابل شاشة التلفاز وهو يلعب ألعاب الفيديو. فالقلق يسيطر عليها وهي تراه يبدو جثةً هامدةً، شاخص البصر لا يحرك ساكناً، ويكاد ينسجم مع الأحداث كما لو كان أحد هؤلاء الأبطال الإلكترونيين. وتقول أم فارس: «أخشى عليه من عواقب هذا التعلق وأخاف أن يصل الى حد الإدمان أحياناً. والمشكلة أنه ينتهي من الألعاب الإلكترونية ليبدأ متابعة أفلام الكرتون الخيالية، كل شيء افتراضي في حياته، ولا وجود للواقع». ويزداد قلق الأم عندما تتابع بعض الدراسات التي تنشرها الصحف عن الآثار الجانبية الصحية والنفسية للشاشات على الأطفال واليافعين. ومن أبرز تلك الآثار المدمرة على الذين يجلسون أمام ألعاب الفيديو ساعات طويلة، أوجاع العنق وارتعاش الأذرع والأكف وأمراض الجهازين العظمي والعضلي نتيجة الجلوس الطويل والخاطئ، وإجهاد العين والقلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية وصولاً الى نوبات من الصرع أحياناً. ولفتت دراسة أجريت في السعودية من قبل متخصصين تربويين إلى أن 90 في المئة من الأطفال في دار الأحداث في العاصمة السعودية الرياض تأثروا سلباً بألعاب الفيديو. أما اقتصادياً فيبلغ حجم إنفاق الطفل الواحد على ألعاب الفيديو في السعودية حوالى 400 دولار سنوياً، و في الأسواق السعودية وحدها حوالى 1.8 مليون جهاز «بلاي ستايشن»، تُستخدم فيها نحو 3 ملايين لعبة، وتمثل النسخ الأصلية منها حوالى 0.33 في المئة فقط مقابل ألعاب مزورة أو منسوخة، علماً أن 40 في المئة من المنازل السعودية فيها جهاز ألعاب فيديو واحد على الأقل. ولا يبدو جيل الصغار الجدد شاذاً عن سابقه في التعلق بألعاب الفيديو، إلا أن حجم الإثارة في الألعاب الجديدة والتقنيات الحديثة التي تصور أبطال الألعاب وتفاصيلها، تجعل شاشة التلفاز أقرب ما يكون إلى الواقع. وعلى مدى العقدين الماضيين، نشأ جيل كامل على الألعاب الإلكترونية والفيديوية، منتقلاً من تقنية ألعاب البعد الواحد في ما كان يعرف ب «الأتاري»، وصولاً إلى التقنيات الثلاثية الأبعاد في الأجهزة الجديدة. وعلى رغم اختفاء ألعاب البعد الواحد من على شاشات التلفاز مع أجهزة الألعاب الحديثة، إلا أن أجهزة (Game Boy) وأجهزة الهواتف النقالة أعادتها إلى الساحة من جديد. فالجهاز الصغير المحمول يدوياً صار في متناول الأيدي الصغيرة يشغل الفراغ خارج المنزل وفي الفترة ما بين الجلوس إلى شاشة التلفاز لمشاهدة أفلام الكرتون والجلوس إلى ألعاب الفيديو. وتتنوع اهتمامات المراهقين والشباب في ألعاب الفيديو الثلاثية الأبعاد بين سباقات السيارات حيث التلاعب بأشكال السيارات والحركات المتهورة، والمغامرات المرعبة أو المثيرة أو المرحة. وتبقى ساحرة الجميع «كرة القدم» طبعاً مع طقوسٍ خاصة تتمثل في شاشة تلفزيون عملاقة وإضاءة مغلقة لمزيد من المتعة. ويقول نايف محمد (24 سنة): «لعبة كرة القدم هي لعبة الشباب المفضلة، إذ ننقل تحديات المباريات الحقيقية إلى عالم الألعاب لنفرغ أفراحنا بفوز فرقنا، أو غضبنا عند الهزيمة». ويشير نايف إلى «أن التحدي هو السمة الأبرز في لعبة كرة القدم إضافة إلى المهارات التي تتيحها التقنيات الجديدة». ولا ينسى السعوديون حال الهوس التي صاحبت لعبة «ترافيان» على الإنترنت، والتي بلغ عدد المشتركين فيها من السعودية حوالى 200 ألف لاعب، واحتل موقع اللعبة الترتيب السادس بين أكثر المواقع زيارة في السعودية، حيث يبني اللاعبون بيوتاً وقرى افتراضية ويشكلون تحالفات وتنظيمات عسكرية افتراضية تتيح لهم الهجوم على أعداء افتراضيين. دراسة في هذا المضمار صدرت أخيراً عن «جمعية البرمجيات الحديثة»، وتحدثت عن ارتفاع معدل متوسط أعمار المهتمين بالألعاب الإلكترونية حول العالم خلال العام الجاري ليصل إلى 35 سنة مقارنة بالعام 2008، إذ كانت 33 سنة. وعلى مستوى الشباب في السعودية، تبرز الاستراحات والمقاهي إلى جانب المنازل كأماكن للعب ألعاب الفيديو في ظل غياب الخيارات الأخرى التي تشغل وقت الشباب، ويشير نايف محمد إلى أنه: «لا توجد ألعاب جديدة في المقاهي والاستراحات، لكننا نخرج كنوع من تغيير الجو والمكان وكسر الروتين الممل بدلاً من الدوران في الشوارع على غير هدى». وتبدو فكرة تجهيز أماكن لتجمع الشباب للعب ألعاب الفيديو وألعاب الشبكة بمثابة مشروع استثماري ناجح إلى جانب الملاعب الكروية الصغيرة. وفي السعودية، تدخل مجموعة من الشباب في مجال الاستثمار الترفيهي، الأقل تعقيداً وجهداً مع وجود أفكار لا تنتهي لجذب مزيد من الزبائن بالنظر إلى تقارب السن والذي يتيح مجالاً أوسع للتحرك بعيداً من مزاحمة رجال الأعمال في الأشكال الاستثمارية الأخرى في السوق السعودية. ويقول أنس ابراهيم: «عندما قررت بدء مشروع استثماري في مجال ألعاب الشبكة وألعاب الفيديو، تجاوزت الأرباح بعد خصم التكاليف 30 في المئة في دراسة الجدوى، ومنذ السنة الأولى للمشروع تجاوزنا ذلك بكثير حيث استطعت تغطية التكاليف والدخول إلى مرحلة الأرباح»، مضيفاً: «هنا على الأقل لم يعرف كبار التجار بعد كيف تعمل هذه المشاريع، وسنضمن بعدنا عن مزاحمتهم».