تابعت برنامجاً فضائياً على إحدى القنوات، كان الضيف طبيباً نفسياً شعر بالغضب والضيق والحنق كما شعرت به أنا تماماً، كانت أكثر المتصلات من النساء اللاتي اشتكين من عناد أطفالهن، وعدم استجابتهن للأوامر، وضعف الدرجات المدرسية، وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، والنوم الكثير، وضعف الاهتمام بالنظافة، وعدم الانتظام في أداء الصلوات المفروضة، وغيرها من المشكلات اليومية التي نراها ونسمع عنها وربما تسببنا بها عن جهل أيضاً في بعض الأحيان. سأل الضيف بعض الأمهات بعض الأسئلة المهمة، وتوقعت بل تأكدت أن أسمع الإجابات من بين شفاه الأمهات أنفسهن.. لنكتشف أين الخلل. إحداهن قالت في شكواها إن ابنتها تكون مستعدة للاختبار ومع ذلك تسلم ورقة الإجابة خالية من أي أجوبة وبالطبع مبللة بالدموع. وعندما سألها الضيف عن كيفية تدريسها أفادت أنها تُعنّف من والدها أثناء المذاكرة وأثناء حل الواجبات معها، ودائماً ما يصفها بالغبية. الثانية أفادت أن ابنتها تتسبب في كثير من المشكلات الأسرية بسبب طول ساعات وقوفها أمام خزانة الملابس لاختيار ملابس الخروج، وتظل تبكي لأنها لا تعرف كيف تختار، وعندما تحاول والدتها مساعدتها تقول لها أنتِ تريدين أن أكون غير جميلة، وتظل تبكي ثم تترك ملابسها على الأرض وتنام. نماذج كثيرة جداً تتشابه مع هذين النموذجين يقع فيها الآباء والأمهات، وتبريرهم الوحيد خوفهم على أبنائهم ورغبتهم في أن يظهروا أمام الناس بأجمل مظهر. كل ما سبق يحتوي على الإجابة، فالطفلة التي يصفها والدها بالغبية تتذكر هذه الكلمة أمام ورقة الاختبار، وتظل تتهادى أمامها تمنعها من الإجابة حتى لا تكون غبية بالفعل. وتعمدها تسليم ورقة الإجابة بيضاء خالية الوفاض «هو تحاشي التأكد من غبائها». والطفلة الثانية لا تثق بنفسها ولم تتربَّ على الاختيار، لأن والدتها تحرمها هذه المهارة الضرورية وتقف عائقاً أمام تكوين ومعرفة ذوقها في الملابس وثقتها بشكلها النهائي بعد محاولة هندمة نفسها أمام المرآة «وقوفها ساعات طويلة أمام خزانة ممتلئة بملابس لم تخترها بل فرضت عليها جعلها تعتقد أن والدتها لا تريدها أن تكون جميلة، لأنها تختار لها ملابس لا تروق لها، وهي تخشى أن تختار بنفسها لأنها لم تجرب الاختيار ولم تعرفه ولم تختبره أيضاً». والأب الآخر الذي يجبر ابنه على الصلاة بضربه بعصا في آخرها مسمار متدثراً بخوفه على ابنه وتعويده على الصلاة، أهو فعلاً يريده أن يصلي لله خوفاً من الأب أم محبة وامتناناً لرب العالمين؟ الأمثلة والنماذج تطول وتجبرني أن أختم بأن أولادنا.. قلوبنا وأكبادنا التي تمشي على الأرض ماذا نفعل بهم تحت مسمى الخوف والحب؟ أهو فعلاً الخوف والحب أم مجرد فرض السيطرة والوصاية وتعويض النقص الذي نشعر به في دواخلنا؟ كاتبة سعودية [email protected]