قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معادلات المواجهة في أوكرانيا بين السلطة التي نسفت نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اتفاق شراكة تجارية مع الاتحاد الأوروبي، والمعارضة الموالية لأوروبا، عبر تقديم مساعدات تعتبر سابقة، شملت منح كييف 15 بليون دولار معونة، وخفض سعر الغاز المصدّر إليها بمعدل الثلث (من 400 إلى 268 دولاراً للألف متر مكعب). وتراوحت ردود الفعل داخل روسيا على «هدية» بوتين للبلد الجار بين مرحّب بدفع «العلاقات الاستراتيجية»، ومستاء لأن موسكو ستنفق من صندوق خاص للمتقاعدين الروس، من أجل تحقيق مكاسب سياسية في بلد آخر. وسارع رئيس الوزراء الأوكراني ميكولا آزاروف في الجلسة الافتتاحية للحكومة، غداة زيارة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفتيش لموسكو، إلى تحذير المعارضة التي ندد قادتها أمام حوالى 50 ألف متظاهر احتشدوا ليلاً في كييف بمحاولة «شراء البلد». وقال آزاروف: «لن ندع أحداً يزعزع الاستقرار بعد الاتفاق التاريخي الذي أنقذ أوكرانيا من الإفلاس». وزاد: «ينزف الاقتصاد الأوكراني منذ ثلاث سنوات ونصف سنة من عقد الغاز السابق الذي أبرمته سلطات المعارضة السابقة ممثلة برئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو (المسجونة حالياً). واليوم وضع الرئيس يانوكوفيتش حداً لهذا التفريط بالمصالح الوطنية الذي تتحمل مسؤوليته قوى سياسية تتسبب اليوم في زعزعة استقرار البلاد». ولفت وزير الطاقة وصناعة الفحم الأوكراني إداورد سافيتسكي إلى أن اتفاق الغاز الجديد مع موسكو الذي سيبدأ تطبيقه مطلع العام المقبل «سيوفر على الخزينة موارد ضخمة تناهز 7 بلايين دولار». في المقابل، اعتبرت الولاياتالمتحدة التي ساندت المعارضين بقوة في الأسابيع الماضية، أن الاتفاق لن يزيل «قلق المحتجين في كل أوكرانيا»، لذا نحض حكومتها على إيجاد الوسيلة لرسم طريق نحو مستقبل أوروبي سلمي عادل ومزدهر اقتصادياً يتطلع إليه الشعب». وقال الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني: «ندعو الحكومة الأوكرانية إلى الدخول في حوار فوري مع المعارضة، ومع جميع الذين أبدوا رغبتهم في قيام أوكرانيا أفضل عبر التظاهر في الشارع». ووصف الاتحاد الأوروبي «الصفقة» الروسية – الأوكرانية بأنها «حل موقت سيؤخر فقط أزمة وشيكة، من دون أن يزيل التحديات على المدى الطويل». وانتقد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الطريقة التي استغلت فيها روسيا الوضع «الاقتصادي الملحّ في أوكرانيا»، لكنه اعتبر أن الأوروبيين «قللوا أيضاً من شأن تصميم روسيا على عدم السماح لأوكرانيا بتوقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومستوى المساعدة الاقتصادية التي كان يجب عرضها على كييف». ودفع ذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اتهام الغرب بالضغط على أوكرانيا للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، رغم قبولها حزمة الإنقاذ التي قدمتها موسكو. وقال أمام مجلس الدوما: «نحن مندهشون لأن دولة ذات سيادة تحرم من حقها في التعامل مع الموقف في شكل مستقل، والعمل بموجب مصالحها الوطنية». وأكد الوزير أن «التحالفات التجارية بين دول الاتحاد السوفياتي السابق التي جعلها بوتين أولوية، لا تهدف إلى معارضة الاتحاد الأوروبي، الشريك الاستراتيجي لنا»، مكرراً دعوة موسكو إلى «فضاء اقتصادي» يمتد من الأطلسي إلى الهادئ «إذ نعارض تدعيم أي حدود فاصلة في أوروبا، وفرض خيار زائف محوره إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا في ما يتعلق بشعوب أوروبا».