أظنّ أن الجميع يوافق أنه لم يكن من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية في أفغانستان على النحو الذي حصلت فيه. يدرك أكثر المحافظين الجدد عقائديةً أنه كان من المرجح أن تكون الانتخابات في هذا البلد، الذي يشهد حرباً مدمرةً واسعة النطاق، فوضويةً بعض الشيء، ولكنها تؤدي على الأقل إلى انتخاب رئيس ليحكم 32 مليون نسمة. لكن حتى هذه اللحظة، يبدو وكأن هذه الانتخابات هي بمثابة خطوة إلى الوراء ويكمن خلفها منحدر خطير. فقد أمل كلّ من الرئيس باراك أوباما، الذي يعمل بمشورة مبعوثه الخاص إلى أفغانستان وباكستان الرجل القوي والمحنك ريتشارد هولبروك، والغرب وحلف شمال الأطلسي في أن يفوز الرئيس حميد كارزاي في الانتخابات. إلا أنهم قرّروا عدم التأثير في النضال السياسي خوفاً من أن يتحوّل الى تحرّك مماثل ضدهم. يبدو أن كارزاي سيفوز بالانتخابات، ويبدو أيضاً أن النتيجة ستفتقر إلى الشرعية لأنه قد يستخدم ماكينة الحكومة لسرقة الانتخابات لمصلحته. وقد ندّدت المملكة المتحدة بنتائج الانتخابات المزوّرة في كينيا وزيمبابوي وإيران وقد تضطر للقيام بذلك مجدداً في افغانستان. ثمة وقائع غير مرضية في هذه الحالة، إذ أن أكثر من 17 مليون أفغاني مسجّلين للمشاركة في الانتخابات. إلا أن عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت كان يتوقع أن يكون ما دون 15 مليوناً أو أن يصل إلى حوالى 12 مليوناً. وقد نقل الصحافيون أنه في محافظة هلمند المضطربة، عمد مناصرو كارزاي إلى شراء بطاقات انتخابية من السكان المحليين. كما كانت لجنة مراقبة الانتخابات في مركز اقتراع في شرق كابول تتحقق من صحة المزاعم القائلة بأن ثمة 70 ألف صوت غير شرعي في الصندوق. وقيل لصحافي غربي قام بزيارة مركز اقتراع بعد ساعة على فتحه، إن 5500 ناخب اقترعوا على رغم أنّ المركز كان خالياً. وهكذا دواليك. وفي حال رأى مناصرو الدكتور عبد الله عبد الله، منافس الرئيس كارزاي الرئيسي أن الفساد وتزوير نتائج الانتخابات هما اللذان سيحسمان المعركة، فمن المرجح أن يلجأوا إلى استخدام العنف. وشدّدت وسائل الإعلام البريطانية على أنه في باباجي شمال لشقر غاه، عاصمة مقاطعة هلمند، أدلى 150 شخصاً فحسب بأصواتهم. وكان بإمكان الآلاف من الناخبين أن يقترعوا، إلا أنهم تخوّفوا من أن تنتقم منهم حركة «طالبان» في حال وجدت حبر الاقتراع على أصابعهم. وقد قضى عشرة جنود بريطانيين نحبهم في عملية كانت تهدف إلى توفير الامن في هذه المنطقة للناخبين. وتساءل البعض إذا كان الأمر يستحق العناء آملين في تحقيق بعض المكاسب أيضاً. لقد غطّت وسائل الإعلام هذه الانتخابات في شكل واسع. فكتب مالكوم ريفكيند، وهو وزير خارجية سابق في بريطانيا كان طموحاً وفاعلاً، في صحيفة «التايمز» في 3 أيلول (سبتمبر) الجاري ما يأتي: «يجب أن يقرّ الرئيس كارزاي بوجود حقيقة مرّة. فهو بحاجة إلينا أكثر مما نحن بحاجة إليه. وإن لم يتحرك بسرعة حتى يعالج هذه الممارسات الخاطئة، فسينهار الدعم الذي يقدمه إليه الكونغرس الاميركي ومجلس العموم البريطاني. وسواء أظهرت أو لم تظهر الأرقام الرسمية أن كارزاي قد تجاوز نسبة الخمسين في المئة من الاصوات في الجولة الأولى، فيجب أن يبادر إلى الإعلان عن تنظيم جولة ثانية بينه وبين عبد الله عبد الله ... كما ينبغي عليه أن يسمح للجنة دولية بأن تراقب الجولة الثانية من التصويت بهدف منع حصول ممارسات خاطئة أخرى». وأنا أعتبر تلك نصيحة حكيمة غير أنني أشك في أنها ستؤخذ في الاعتبار. وتزامن مقال مالكولم ريفكيند مع تقرير رفعه الجنرال ستانلي ماكريستال القائد الجديد للقوات الأميركية في أفغانستان إلى القيادة المركزية الأميركية. فقد اعتبر الجنرال أنه بعد ثماني سنوات، لم تعد الاستراتيجية التي يعتمدها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان مجدية. ودعا إلى إجراء تغييرات مع إيلاء اهتمام أكبر لحماية الشعب الأفغاني ككل. كما أنه وصف قوة حلف شمال الأطلسي المضادة للتمرد بأنها «تشبه الثور الذي يهاجم تكراراً معطف مصارع الثيران حتى يتعب وينهزم على يد خصم أكثر ضعفاً منه». وأنا أظن أن عدداً من المسؤولين في حلف شمال الأطلسي في أفغانستان سيوافقون على هذا الوصف. يأمل السياسيون والجنرالات الغربيون أن يتولى الجيش الأفغاني زمام الأمور. فعدد جنوده يفوق حالياً عدد افراد الجيش البريطاني، إلا أنه يفتقر الى المعدات اللازمة مثل المروحيات والآليات المصفّحة. وقد دعا الرئيس أوباما في فصل الربيع إلى رفع عدد افراد الجيش الافغاني من 100 ألف إلى 260 ألف جندي على مدى السنوات الخمس المقبلة، ووعد بتقديم الدعم الأميركي لها. ويدور اليوم حديث مبهم عن مهلة ثلاث سنوات وليس خمس لتحقيق ذلك، وكأنه يمكن إنشاء تشكيلات عسكرية جيّدة وموثوق بها بسرعة. فهل يمكن لبلد فقير مثل أفغانستان أن يحافظ على قوة كبيرة مماثلة حتى إذا حظي بالدعم المالي الدولي؟ يبدو في الواقع أن الأوضاع السياسية والعسكرية تزداد سوءاً في هذا البلد. فلم يساعد الفساد والتزوير المستشري فيه على إرساء نظام ديموقراطي. وتقترب حركة «طالبان» من كابول وذلك بفضل استخدام أجهزة تفجير بدائية. لكن يبدو أن الدعم الذي يتمّ تقديمه للنزاع العسكري في الغرب وفي حلف شمال الأطلسي وفي أي مكان آخر، بدأ يتراجع. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين