بعد أربعة أيام من المفاوضات والاجتماعات المتتالية ليلاً ونهاراً في جزيرة بالي الإندونيسية بين 3 و6 كانون الأول (ديسمبر) الجاري وتمديد الاجتماع الوزاري التاسع لمنظمة التجارة الدولية يوماً إضافياً، أعلِن عن التوصل بنجاح إلى حزمة من القرارات اعتبرها المدير العام للمنظمة روبرتو أزيفيدو أول إنجاز لها منذ تأسيسها في 1995. وسبق اجتماع بالي شهران من المفاوضات غير المنقطعة في جنيف. ويتناول بعض القرارات قضايا اختيرت من "أجندة مفاوضات الدوحة" التي أطلقت في الاجتماع الوزاري الرابع عام 2001، وتشمل اتفاقاً جديداً على تسهيل التجارة، وأربعة قرارات في مجال الزراعة تتضمن قراراً حول برامج تخزين المواد الغذائية الأساسية من أجل تعزيز الأمن الغذائي بالاضافة الى قرار حول مسألة القطن، وثلاثة قرارات تتعلق بالدول الأقل نمواً، وقرار حول آلية مراقبة تنفيذ المواد المتعلقة بالمعاملة الخاصة والتفضيلية من ضمن اتفاقات المنظمة. لكن حزمة القرارات الصادرة عن المؤتمر الوزاري في بالي تفتقد التوازن لأن القرارات المتعلقة بالقضايا المهمة للدول النامية، خصوصاً الطرح المتعلق بالأمن الغذائي والقضايا الخاصة بالدول الاقل نمواً، وضعت بلغة قانونية غير ملزمة لا تقدم ضمانات للدول النامية والاقل نمواً. وأُقر اتفاق تسهيل التجارة وفق قواعد ملزمة تفرض على الدول الاعضاء الالتزام بممارسات تقوم على تجربة ومقاربات الدول المتقدمة. ووافقت الدول النامية على بدء التفاوض حول اتفاق تسهيل التجارة في 2004 بعد التوافق على عدد من المبادئ التي تسمح للدول النامية بتنفيذ الاتفاق وفق قدارتها وبناء على تقويم ذاتي لقدرتها على التنفيذ، بالاضافة الى ربط الالتزام بالتنفيذ باكتساب الدول النامية والاقل نمواً القدرة على التنفيذ من خلال تقديم مساعدات تقنية ومالية من البلدان المتقدمة الأعضاء في منظمة التجارة. إلا ان المفاوضات ادت الى تقليص هذه المبادئ والمفاهيم وإضعافها، إذ يفتقد نص الاتفاق اي الزام للدول المتقدمة بتقديم الدعم المالي، على رغم ان هذا العنصر كان أساسياً منذ بدء المفاوضات في 2004 (أُسقِط من نص الاتفاق باستثناء إشارة ضعيفة وغير ملزمة في حاشية). وبالتالي، ستضطر الدول النامية والاقل نمواً الى تحويل الموارد المحدودة المتاحة لديها عن قضايا اجتماعية وتنموية اساسية مثل الإنفاق على الصحة والتعليم الى تنفيذ متطلبات اتفاق تسهيل التجارة. اما في ما يتعلق ببرامج تخزين المواد الغذائية الأساسية من أجل تعزيز الأمن الغذائي، فجرى التوصل الى توافق يقضي بالحد من استخدام آلية فض النزاعات في منظمة التجارة ضد الدول التي تعتمد هذه البرامج، كحل موقت يبقى قيد التنفيذ الى حين التوصل الى اصلاح دائم لقواعد اتفاق الزراعة من ضمن منظمة التجارة بما يسمح للدول الاعضاء بوضع برامج لتعزيز سياسات الامن الغذائي. واشترطت الهند ان اي آلية ستعتمد في المؤتمر الوزاري في بالي يجب ان توضع قيد التنفيذ الى حين التوصل الى اصلاح دائم لقواعد اتفاق الزراعة. ولا تسمح قواعد هذا الاتفاق حالياً للدول النامية ببرامج كهذه، إذ يعتبرها تدخلات "مشوهة للنظام التجاري"، بينما تسمح القواعد للدول المتقدمة بتقديم الدعم المحلي للمزارعين بما يقدر بأكثر من 400 بليون دولار سنوياً، من دون ان يعتبر ذلك خرقاً لقواعد منظمة التجارة. يشار الى ان القرار المتعلق بالامن الغذائي ينبع من اقتراح تقدمت به مجموعة الثلاثة والثلاثين، والتي يعنى اعضاؤها بقضايا اتفاق الزراعة من ضمن المنظمة، إذ رغبت المجموعة بتوضيح أو تغيير لقواعد منظمة التجارة التي تحد من قدرة الحكومات في الدول النامية على شراء المواد الغذائية من صغار المزارعين وتخزينها للاستخدام لأغراض الحفاظ على الامن الغذائي، وهي برامج تعتمدها غالبية الدول النامية. وهذا الطرح جزء من مشروع النص التفاوضي المتعلق بالزراعة الذي اعتمده اعضاء المنظمة بالتوافق في 2008، الا انه واجه معارضة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وباكستان، وأوروغواي، وتايلاند، وباراغواي وغيرها من الدول عندما أعيد طرحه من جانب مجموعة الثلاثة والثلاثين، على رغم ان هذه الدول وافقت على النص في 2008. أجندة ما بعد بالي قدمت الدول النامية والدول الاقل نمواً تنازلاً كبيراً من خلال القبول بحزمة بالي، لذلك يجب ان يعيد برنامج مفاوضات ما بعد بالي التشديد على البعد التنموي لمفاوضات جولة الدوحة، والمعروفة بأجندة الدوحة التنموية. وأقر الوزراء في بالي بأنهم يؤكدون الالتزام "بجدول أعمال الدوحة للتنمية وبأهداف التنمية الواردة في اعلان الدوحة" وطلبوا إعداد "برنامج عمل واضح المعالم بشأن القضايا المتبقية على أجندة الدوحة للتنمية وذلك في الاشهر الاثنى عشر المقبلة، بناء على القرارات التي اتخذت في المؤتمر الوزاري في بالي، خصوصاً في مجال الزراعة والتنمية وقضايا الدول الأقل نمواً، وكذلك كل القضايا الأخرى في إطار ولاية الدوحة التي تعتبر أساسية لاختتام جولة مفاوضات الدوحة". أما على الصعيد العربي، فأقر المؤتمر الوزاري التاسع انضمام اليمن الى منظمة التجارة، وذلك بعد 13 سنة من تقديم طلب العضوية، لتصبح بذلك اليمن الدولة الخامسة والثلاثين من بين الدول الاقل نمواً الاعضاء في المنظمة، وليصبح عدد اعضاء المنظمة 160 دولة، ويصبح عدد البلدان العربية الاعضاء في المنظمة 13 دولة. ورفعت اكثر من 150 منظمة مدنية من حول العالم، منها 70 منظمة يمنية، رسالة الى المدير العام لمنظمة تشير فيها الى مخاوف من الالتزامات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية التي فُرضت على اليمن كجزء من حزمة الانضمام إلى منظمة التجارة. وأشارت المنظمات الموقعة على الرسالة الى ان اليمن مُطالب بالتنفيذ الكامل لاتفاق الجوانب التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (تريبس) بحلول نهاية 2016 كجزء من شروط الانضمام على رغم ان ذلك يُعد انتهاكاً لمبادئ الانضمام التوجيهية التي أقرها المجلس العام لمنظمة التجارة في 2012 والذي يعترف بحق البلدان الاقل نمواً في المنظمة بالاستفادة من أحكام المعاملة الخاصة والتفضيلية والتي يجب ان تضمن لليمن فترة انتقالية حتى 1 تموز (يوليو) 2021 على الأقل.