في السيناريوات التي بدأ خبراء الاقتصاد الأميركيون رسمها في حال التوصل إلى اتفاق شامل يؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران ويعيدها إلى المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً، تتصدر أربع دول هي الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند لائحة الدول التي ستستورد النفط الإيراني. لكن في الأمر إفادة لبقية الدول الصناعية ومنها الولاياتالمتحدة. ويعتبر محللون أن انخفاض عشرة دولارات في السعر الدولي لبرميل النفط يؤدي إلى نصف نقطة مئوية من النمو الاقتصادي العالمي. وبما أن اقتصاد الولاياتالمتحدة هو نحو ربع اقتصاد الكوكب، يعني ذلك أن لأميركا حصة في النمو العالمي الذي سينتج عن أي انفتاح دولي على إيران. وبسبب الفورة في إنتاج الطاقة الصخرية، تراجع الاستيراد الأميركي للنفط إلى نحو 7.5 مليون برميل يومياً، ما يعني أن انخفاض 10 دولارات في سعر البرميل الواحد يوفر على الأميركيين نحو 2.25 بليون دولار شهرياً، ما يفضي إلى تراجع نسبته عشرة في المئة في العجز التجاري الأميركي. ومع أن عودة إيران التي تملك نحو 9 في المئة من الاحتياط النفطي العالمي لن يعيد إنتاجها فوراً إلى ما كانت تنتجه قبل العقوبات، أي 4 ملايين برميل يومياً، إلاّ أن رفع الإنتاج الإيراني من 700 ألف برميل حالياً إلى مليونين في اليوم، وهو الرقم الذي يرجحه الخبراء، سيكفي الزيادة في حاجة السوق لعام 2014، والمتوقع ارتفاعها مليون برميل يومياً. وفي المدى المتوسط أي مع حلول عام 2020، وبسبب الزيادة العالمية في إنتاج النفط في العراق وأميركا وربما إيران، ونتيجة تراجع الطلب الأميركي في ضوء تحسن تقنية محركات الآليات، والصيني بسبب تباطؤ الاقتصاد، لا يستبعد الخبراء انخفاض السعر العالمي للبترول أكثر من 10 دولارات للبرميل، ما يعود بفوائد مؤكدة على الاقتصاد الأميركي. هذا في الإفادة المباشرة في حال عادت إيران إلى إنتاج النفط وتصديره بكميات أكبر من الوقت الحالي. أما في الإفادة غير المباشرة، فللولايات المتحدة مصلحة لا بأس بها استناداً إلى توقعات غالبية خبراء الاقتصاد الأميركيين، إذ يمكن أي تسوية شاملة مع إيران أن تؤدي إلى نمو الاقتصاد الإيراني في شكل ضخم وسريع. وكان اقتصاد إيران شهد انكماشاً تراوح بين 1.5 و 2 في المئة على مدى العامين الماضيين، بسبب تشديد العقوبات الدولية على الحكومة الإيرانية. ويعني ذلك أن إنهاء هذه العقوبات والسماح لإيران بالعودة إلى المجتمع الدولي، سيتسببان بنمو الناتج المحلي الإيراني، وهو لن يقل عن 10 في المئة في السنوات الخمس الأولى، وفق تقديرات الخبراء. ويبلغ الاقتصاد الإيراني حالياً نحو 500 بليون دولار (مقارنة ب750 بليوناً لكل من السعودية وتركيا)، ومن شأن أي نمو أن يدخل إيران نادي الدول العشرين الأكبر اقتصادياً في العالم، ومن شأن النمو السنوي للاقتصاد الإيراني أن يمنح عقوداً ضخمة، لا للشركات النفطية فحسب، بل أيضاً لمعظم الشركات الصناعية مثل صناعات الطائرات والسيارات والبنية التحتية، والخدماتية مثل المصارف وشركات التأمين العالمية والأميركية. ومعلوم أن الولاياتالمتحدة هي صاحبة أكبر كمية من الأموال المستثمرة في الخارج، إذ تتجاوز 3 تريليون دولار. كما تستقبل أكبر كمية من الأموال المستثمرة داخلها بكمية تبلغ نحو تريليونين ونصف تريليون دولار. ويبدو أن هذه الآمال والطموحات الاقتصادية هي التي تحرك عالم السياسة، إذ أطلّ الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا الأسبوع ليتحدث إلى الإيرانيين بمناسبة مرور 100 يوم على تسلمه الحكم، ويقول إن بلاده كانت تعاني من «ستاغفلايشن»، أي ركود وتضخم في الوقت ذاته وللمرة الأولى في تاريخها الحديث. ويبدو أن وعود روحاني تتمحور حول نهضة اقتصادية ينوي القيام بها في إيران، لكن ليس واضحاً إذا كان يمكن الرئيس الإيراني مقايضة أي نهضة اقتصادية بتراجع حكومته عن بعض سياساتها غير الاقتصادية. في أميركا كما في إيران، يتحلّق حول السياسيين وأصحاب القرار مستشارون يقدمون أنفسهم خبراء في الشؤون السياسية، فيما يستعد بعضهم في الواقع للانخراط في عقود مستقبلية في إيران في حال التوصل إلى اتفاق مع طهران. وكان وزير الدفاع تشاك هايغل خلال تقاعده من مجلس الشيوخ في خريف عام 2008، نشر كتاباً دعا فيه إلى انفتاح غير مشروط على إيران. هايغل الذي جنى ثروة في السنوات الأولى لانفتاح أميركا على الصين مطلع سبعينات القرن الماضي بعد عودته من حرب فيتنام وتأسيس شركة اتصالات في بكين، يعتقد أن في إمكان إيران السير على خطى الصين الشيوعية التي تخلّت عن العقيدة في مقابل المصلحة المالية والاقتصادية. وعلى مستوى الخطاب لم توقف بكين هجماتها الكلامية على أميركا الرأسمالية، «لكن ذلك لم يمنع أياً من البلدين من التحول إلى أكبر شريكين تجاريين في العالم»، على ما يردد هايغل في جلساته الخاصة. في المفاوضات مع إيران، تختلط السياسة الإقليمية بالاقتصاد العالمي، فهل تنفرج على صعيد الاثنتين أم في واحدة فقط على حساب الأخرى؟