أعلنت الولاياتالمتحدة وبريطانيا، أمس، تعليق كل المساعدات «غير الفتاكة» التي تُقدّم إلى المعارضة السورية في شمال البلاد، في خطوة جاءت بعد أيام فقط من سيطرة «الجبهة الإسلامية» التي تضم تكتلات مسلحة قوية على مقارّ ومستودعات الأسلحة التابعة لهيئة الأركان في «الجيش الحر» في إدلب على الحدود مع تركيا. وعلى رغم أن «جبهة النصرة»، وهي فصيل تابع ل «القاعدة» في سورية، ليست جزءاً من «الجبهة الإسلامية»، إلا أنها تمكنت أيضاً من الاستيلاء على كميات من الأسلحة والمعدات التابعة ل «الجيش الحر»، الأمر الذي أثار قلقاً في الأوساط الغربية من أن المساعدات التي تُرسل للمعارضة السورية يمكن أن ينتهي المطاف بها في أيدي «متشددين مرتبطين بالقاعدة». لكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حذّر أمس أمام مجلس العموم من خطوة اعتبار أن المعارضة الوحيدة في سورية هي المعارضة المتطرفة، مدافعاً عن ضرورة استمرار الاتصال بالمعارضين المعتدلين. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية ل «الحياة»، أن واشنطن «علّقت كل مساعداتها غير المسلحة إلى شمال سورية» بعد التقارير «عن سيطرة قوات الجبهة الإسلامية» على مخازن ومراكز تابعة للمجلس العسكري الأعلى في «الجيش الحر» (هيئة الأركان بقيادة الجنرال سليم إدريس). وفيما أشار المسؤول إلى أن واشنطن «تدرس الخطوات المقبلة»، قال السفير المسؤول السابق عن ملف سورية فريديريك هوف ل «الحياة»، إن التطورات «تزيد من العراقيل أمام الإدارة في التحضير لجنيف 2» وإن خياراتها «ازدادت سوءاً». وقال المسؤول في الخارجية ل «الحياة» إن الإدارة «اطلعت على التقارير حول سيطرة قوات الجبهة الإسلامية على مخازن ومراكز تابعة للمجلس العسكري الأعلى في أطمة (على الحدود السورية مع تركيا) وهذا الأمر يقلقنا». وأضاف: «كنتيجة علّقت الولاياتالمتحدة كل مساعداتها غير المسلحة لشمال سورية»، إنما «المساعدات الإنسانية للشعب السوري غير متأثرة بذلك». وأضاف المسؤول أن الإدارة «تعمل مع قائد المجلس الأعلى العسكري (قيادة أركان الجيش الحر) سليم إدريس لرصد المعدات والمساعدات التي قدمتها للمجلس»، كما تستشير إدارة أوباما «أصدقاءنا في المعارضة السورية حول الخطوات المقبلة» لمساعدة الشعب السوري. بدوره قال المسؤول السابق عن الملف السوري في الخارجية الأميركية فريديرك هوف ل «الحياة»، إن سيطرة «الجبهة الإسلامية» على معدات مقدمة من أميركا ل «الجيش الحر» تضع واشنطن اليوم «أمام عواقب مباشرة لسياستها غير الجدية حول سورية». واعتبر أن دعم واشنطن أصلاً ل «الجيش الحر» كان «متردداً وغير متكافئ وخلفيته أن الانتصار العسكري غير ممكن في سورية، وبالتالي كان على الجيش الحر أن يبقى حياً من دون السيطرة». وقال هوف من مكتبه في «مركز الحريري للشرق الأوسط» التابع لمعهد «أتلانتيك كاونسل»، إن «داعمي نظام الأسد وخصومه الإسلاميين يلعبون للنصر وليس لديهم القيود المفروضة على الجيش الحر». وأشار إلى أن هذه التطورات تعرقل حسابات الإدارة الأميركية وتحضيراتها لمؤتمر «جنيف 2» بعد «التقدم التكتيكي للنظام وبمساعدات من ميليشيات مدعومة من إيران... والآن نتيجة العبء على الجيش الحر وخسارته على الأرض في سورية». وأضاف هوف أن «الذراع العسكري للائتلاف الوطني مهمش بالكامل اليوم، فما هو البديل؟ الجبهة الإسلامية!». وقال إن الإدارة تحاول إقناع «الجبهة الإسلامية» ب «التصرف بحنكة سياسية، إنما هذا ليس بالأمر السهل». وعموماً اعتبر هوف أن استراتيجية أوباما بإبقاء النزاع السوري بعيداً بما فيه الكفاية «جاء بعواقب غير محسوبة وجدية... وتعريف سورية بمشكلة للحد من السلاح مفهوم سياسياً، إنما الأزمة غير ذلك». وخلص أن خيارات الإدارة «للتعامل مع انهيار الدولة والكارثة الإنسانية لم تتحسن على الإطلاق لا بل هي ازدادت سوءاً». وسبق للولايات المتحدة أن أعلنت هذه السنة تقديم مساعدات «غير فتاكة» للمعارضة السورية بقيمة 250 مليون دولار، وتردد أنها تضم آليات وأجهزة رؤية ليلية وأجهزة اتصالات متطورة. وأعلنت لندن مساعدات أخرى بقيمة 20 مليون جنيه استرليني يُعتقد أنها تحوي عربات وأجهزة اتصال. وانتقد معهد «تشاتام هاوس» في ورقة بحثية أمس غياب «رؤية واضحة» للغرب في خصوص سورية، ودعا إلى تحديد «أولويات» والسعي إلى تحقيقها مع ضمان عدم «انهيار الدولة». وفي نيويورك، قال ديبلوماسي غربي في مجلس الأمن، إن «محاربة المتطرفين في سورية بعد التوصل إلى اتفاق سياسي هي واحدة من العناوين التي تناقش على مستوى رفيع حالياً» خصوصاً لجهة «من سيتمكن من دحر المتطرفين لتوطيد الحل السياسي في حال التوصل إليه». وأضاف خلال لقاء ضيّق في الأممالمتحدة: «يجب أن يتولى أحد ما محاربة المتشددين في سورية رغم أن التوصل إلى اتفاق في جنيف سيقلّص دورهم السياسي ولكن حضورهم الميداني سيبقى مشكلة أساسية ينبغي التعامل معها». وأشار الى «وجود خطر يشكله هؤلاء على أي عملية سياسية يمكن أن تبدأ في سورية». وأبدت روسيا مرونة خلال المفاوضات التحضيرية لمؤتمر «جنيف 2» وأعلنت «الموافقة على مشاركة المعارضة السورية بوفد واسع التمثيل»، بدلاً من شرطها السابق بأن يكون الوفد «شامل التمثيل»، بحسب المصدر نفسه، في وقت يتوقع أن ينجز اللقاء الثلاثي التحضيري في 20 الشهر الجاري لائحة المدعوين لتعلن في 27 منه. وسيعقد الممثل الخاص إلى سورية الأخضر الإبراهيمي اللقاء نهاية الأسبوع المقبل مع ممثلي وزيري خارجية الولاياتالمتحدةوروسيا في جنيف «باعتباره آخر اللقاءات الثلاثية التحضيرية، ما لم يطرأ جديد في سياق الاستعدادات لعقد جنيف 2». وأكدت مصادر دولية مطلعة أن مكان انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر في 22 كانون الثاني (يناير) سينقل إلى مدينة مونترو السويسرية بسبب ازدحام فنادق مدينة جنيف بالمشاركين في مهرجان سنوي للساعات، على أن يعود المتفاوضون إلى جنيف لاستكمال التفاوض في الجلسات التالية. وتوقع ديبلوماسيون أن تعقد الجلسة الافتتاحية في فندق بالاس في مونترو «بمشاركة واسعة على المستوى الوزاري» وأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون سيوجه الدعوات للمشاركة في هذه الجلسة إلى «إيران والمملكة العربية السعودية والدول المجاورة لسورية، فضلاً عن جامعة الدول العربية والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وجهات أخرى». إنسانياً، من المقرر أن تجتمع 22 دولة بينها المملكة العربية السعودية وإيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والدول المجاورة لسورية في جنيف في 19 الشهر الحالي لبحث تفعيل إيصال المساعدات الإنسانية الى سورية بمشاركة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس. ووصف ديبلوماسي رفيع في الأممالمتحدة اللقاء بأنه «لوضع خطوات عملية موضع التنفيذ، خصوصاً أن آموس أبلغت مجلس الأمن ضرورة رفع الحكومة السورية مستوى تعاونها في المجال الإنساني بما يوازي مستوى تعاونها في ملف الأسلحة الكيماوية».