مازلت أتذكر حديث أحد الزملاء - وهو يتولى الإشراف على الإدارة القانونية - عن رئيس تلك الجهة وكيف كان حضوره اليومي بمكتب رئيسه للمساعدة القانونية الدائمة في كل قرار يتم اتخاذه ليكون متفقاً مع صحيح النظام، في صورة جميلة للاهتمام بحماية حقوق الناس ورعايتها. لذا فإن من نافلة القول التأكيد على أن مستشاري الإدارات القانونية في الجهات الحكومية يمارسون دوراً كبيراً في خدمة العدالة ورعايتها داخل كياناتهم التي يعملون فيها ويشاركون في صنع قراراتها الإدارية وصياغة عقودها مع الغير، كما يمثلون جهات الإدارة في التقاضي والمرافعة، في دور مهم يوشك أن يعلو بهم إلى أن يعتبرهم البعض كالقضاء ما قبل الابتدائي داخل جهاتهم الإدارية؛ يحمون الحقوق ويشيرون بالقسط ويُقرون العدل وينصفون المظلوم. إن الإدارات القانونية تمثّل اليوم أحد العناصر الرئيسة في الهيكل التنظيمي للجهات الإدارية، فضلاً عن أن رأيها الصائب هو الخطوة الأولى لضمان حماية مبدأ المشروعية في تصرفات جهة الإدارة، الذي يُجنبها الصعوبات التي تنشأ بعد ذلك؛ ما يعود على قرارات الجهة بالحماية من الإلغاء أو التعويض عنها أو عن تصرفاتها. ولعل من المهمات ذات الأثر الكبير ما يسند لتلك الجهات من صياغة مشاريع القرارات الإدارية وما يجب أن تكون عليه تلك القرارات التي تُصدرها جهة الإدارة من موافقة صحيح النظام، وكذا ما يتعلق بإعداد مشاريع العقود؛ فعلى رغم أن العديد من العقود تكون فيها شروط نموذجية، إلا أن واقع الترافع أمام القضاء الإداري يؤكد أن هناك العديد من الشروط الخاصة التي تضعها بعض الجهات لا تكون صياغتها بالشكل القانوني الصحيح والدقيق، وبالتالي ينشأ الخلاف حول تفسيرها، فالعناية بصياغة العقد من خلال متخصصين تقلل حتماً من هذه الإشكاليات. وكذلك الشأن في ما يتعلق بإعداد مشاريع اللوائح الخاصة بجهة الإدارة؛ فبعض اللوائح التنفيذية للأنظمة لا تتم مراعاة القواعد الأساسية فيها من حيث عدم تضمنها لحكم زائد على أحكام النظام، فضلاً عن مخالفته، وهو ما يعرّض قرارات جهة الإدارة للإلغاء؛ لأن اللائحة التنفيذية وفقاً لمسماها يجب ألا تتجاوز مهمتها الخاصة بوضع النظام موضع التنفيذ من دون أن تتضمن أحكاماً جديدة أو تعدل الحكم المنصوص عليه في النظام، ووجود إدارة قانونية بكفاءات مميزة يكفل تحقيق هذا الأمر. لذا فإن الاهتمام بالإدارات القانونية ابتداءً والحرص على جودة العمل فيها هو علاج وقائي، ولا شك في أن البناء والتأهيل والتدريب المستمر على رأس العمل تسهم في ذلك، مع توفير المرجعية العلمية والنظامية في الإدارات القانونية، بما في ذلك المبادئ القضائية وتحديثها بشكل دائم مع العناية بالحصيلة التراكمية لخبرة مستشاري هذه الإدارات، والسماح بانتقال هذه الخبرة بين أولئك المستشارين. ولعل من المناسب اقتراح تنظيم موحّد للإدارات القانونية يبين اختصاصاتها ومهماتها على نحوٍ دقيق؛ مع تحقيق قدر من الاستقلال لها في عملها لتمكينها من تحقيق الغرض من وجودها؛ إذ لا شك في أن قيام الإدارة القانونية الفاعلة المتكاملة تنظيماً وتأهيلاً هو حجر الأساس في اضطلاع هذه الإدارات بمسؤولياتها على أكمل وجه بإذن الله. * محامٍ ومستشار قانوني. [email protected] a.sgaih@