هل تخيلت يوماً كيف كانت الحياة البدائية التي عاشها الإنسان في عصور ما قبل التاريخ؟ تقول أستاذة الإنثروبولوجيا سامية محمود: «البيئة الطبيعية البكر لها تأثير لا ينكره أحد في الفطرة الإنسانية السليمة التي تبدع أشكالاً متنوعة من الفنون، وكل هذا يمكن أن نراه ونلمسه داخل «المتحف الإثنوغرافي الأفريقي» في القاهرة الذي شيد عام 1875 تحت اسم «الجمعية الجغرافية الخديوية» بمرسوم من الخديوي إسماعيل، والذي رصد له موازنة سنوية 400 جنيه زادت إلى 600 جنيه في عهد السلطان حسين كامل». وتضيف: «عيّن الدكتور جورج شفا ينفورت، الرحالة المشهور، أول رئيس للمتحف وصدر مرسوم التعيين باللغة الفرنسية، وكانت هذه الجمعية التاسعة على مستوى العالم من حيث تاريخ تأسيسها، وهي أقدم جمعية جغرافية خارج أوروبا والأميركتين، إذ تأسست أول جمعية جغرافية في العالم في باريس عام 1821». ينقسم المتحف أقساماً عدة، كل قسم يعرض مقتنيات مختلفة في ركن خاص بها، داخل واجهات زجاجية للحفاظ عليها من التلف. والمتحف ذو طابع إنساني ويهتم بعرض الأدوات والوسائل التي تعرّف بأساليب حياة الشعوب والمجتمعات المختلفة. ومع بناء ملحق مجلس الشعب ووزارة النقل في شارع قصر العيني، لم يعد الزائر يستطيع دخول المتحف إلا من خلال مدخل مجلس الشورى، حيث الإجراءات الأمنية مشددة. ودفعت الظروف التي يتعرض لها المتحف بعض النشطاء والمختصين إلى إطلاق حملة واسعة لإنقاذ تاسع أقدم جمعية جغرافية ومتحف على مستوى العالم، مطالبين بفك حصار مجلس الشورى له من ناحية، ونقل وزارة النقل من ناحية أخرى، بعدما أصبح مبنى المتحف مهدداً بالانهيار. ومن لحظة إنشائها، أخذت الجمعية على عاتقها أن تصدر نشرة تتضمن جهود الكشف الجغرافي والرحلات والتوثيق وملخصات الأعمال العلمية في كل ما يتعلق بالعلوم الجغرافية عن أفريقيا، فضلاً عن توطيد علاقاتها مع الجمعيات الأخرى الجغرافية وغير الجغرافية، وتنظيم رحلات كشفية في أفريقيا. ولعبت الجمعية دوراً في استعادة طابا بما قدمته من خرائط ووثائق تؤكد ملكية مصر هذه البقعة من الأرض. وتروي سامية محمود: «كانت جلسات العمل تعقد شهرياً وكانت الفرنسية هي لغة المكاتبات والحوار والنشر، وقد نشرت اللائحة الداخلية الأولى للجمعية عام 1876 واستمر العمل بها حتى عام 1917». وتأثر المتحف بالتغيرات السياسية التي شهدتها مصر، ومنها تغيير اسم الدولة من الخديوية إلى السلطانية، فتغير اسم الجمعية الجغرافية الخديوية ليصبح «الجمعية الجغرافية السلطانية» طبقاً للمرسوم السلطاني الذي أصدره حسين كامل عام 1915 وتضمن تعيين الأمير أحمد فؤاد الأول رئيساً للجمعية بدلاً من الدكتور أبات باشا. وتناوب على رئاسة الجمعية عدد كبير من الشخصيات العامة والأمراء والعلماء، مثل الأمير عباس حلمي الذي أصبح الخديوي عباس حلمي الثاني، وتولى رئاستها عام 1889 لمدة سنة. ومع التحول التالي لمصر من سلطنة إلى مملكة في عام 1922 تغير اسم الجمعية مرة أخرى ليصبح «الجمعية الجغرافية الملكية المصرية»، وفي عام 1952 عقب ثورة تموز (يوليو) تغير إلى «المتحف الإثنوغرافي».