وصف إسرائيل الفترة التي حددت في اتفاق جنيف بين ايران والدول العظمى ب «حرب الشهور الستة»، يعكس موقف الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، بنيامين نتانياهو، من هذا الاتفاق وهو يعلن ضمنياً، حرباً على الاتفاق وصانعيه. وعلى رغم التأييد الإسرائيلي الواسع لموقف نتانياهو الرافض للاتفاق الا ان الكثيرين يرفضون منحه الدعم لسياسة التهديد والتجريح بالرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته، جون كيري. وقد انعكس هذا جلياً في حديث وزير الدفاع الأسبق، بنيامين بن العيزر، الذي قال ان «نتانياهو على حق في معارضته للاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى لكنه اذا كان نجح في اثارة الملف النووي الإيراني ليطرح على جدول الأعمال العالمي، فإن عليه أن يعيد الى ذهنه ان الولاياتالمتحدة هي اهم حليف لإسرائيل، وبالتالي يجب عدم المساس بالعلاقات معها وتغيير أسلوب التعامل معها». وقد تبنت هذا الموقف شخصيات امنية وسياسية بارزة، حذرت من سياسية نتانياهو والأضرار المتوقع ان تجلبها خلال الفترة المقبلة، ولم يوافق بعضهم على موقفه المعادي لهذا الاتفاق. وعلى رغم الترويج الإسرائيلي والتهديد بأن إسرائيل ستكون قادرة وحدها على توجيه ضربة عسكرية ضد ايران، الا ان العقلاء من بين متخذي القرار وأولئك الذين تركوا مناصبهم لكن موقفهم ما زال مؤثراً يحذرون من طبيعة التهديدات التي تطلقها القيادة الإسرائيلية الحالية ومن السياسة التي ستمارسها ومن تنفيذ حرب الشهور الستة. احد ابرز الشخصيات الأمنية الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، الذي يشغل اليوم منصب مدير عام معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، خالف نتانياهو في موقفه من الاتفاق ورأى انه بتوقيع الاتفاق سيتراجع البرنامج النووي الإيراني الى الوراء، وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها امر كهذا منذ عام 2003. وأضاف: «ما تضمنه الاتفاق يشكل إنجازات مهمة بخاصة وقف تخصيب اليورانيوم الى 20 بالمئة وتحويل المادة المخصبة بنسبة 20 بالمئة الى وقود لا يمكن استخدامه لإنتاج قنبلة، وتعليق المسار البلوتوني في أراك، وبالأساس تعزيز وتعميق الرقابة»، وفق يدلين. وقدمت الى متخذي القرار في اسرائيل، توصيات دعا مقدموها - ويدلين بينهم - الى تنفيذها وجعل «حرب الشهور الستة»، التي يريدها نتانياهو حرباً ديبلوماسية تبدأ في اعداد خطة عمل اسرائيلية مستقلة لتنفيذها في حال عدم تنفيذ الاتفاق أو تحويله من اتفاق مرحلي الى اتفاق نهائي، قد يكون سيئاً بالنسبة لإسرائيل ويفصل ايران عن القنبلة النووية اشهر عدة. وطلبوا أن يكون هذا جزءًا من تعميق التعاون مع الغرب. كما دعوا اجهزة الاستخبارات الى بلورة رد مع الولاياتالمتحدة على أي خلل من طرف ايران في تنفيذ الاتفاق والعمل معاً على اكتشاف الخروق الإيرانية للاتفاق، والجهود الإيرانية في المجال العسكري أو النشاط في مواقع سرية. وقد شملت التوصيات أيضاً: - استنفاد المحاولة للوصول إلى اتفاق جيد. وهنا يشرح مقدمو التوصية موقفهم الذي يؤكد انه في حال فشلت التجربة، من المهم أن يكون واضحاً بأن الذنب هو «في الملعب» الإيراني وليس الإسرائيلي. - السماح للقوى العظمى بوقف البرنامج النووي الإيراني وإبعاده عن القنبلة من خلال الوصول الى اتفاق نهائي، يعطي جواباً على كل المسائل التي لم تعالج كما ينبغي في الاتفاق الأوّلي. - التشديد على مسؤولية والتزام الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا بمنع القدرة النووية العسكرية عن ايران وهي المسؤولية التي تتعزز في ضوء الاتفاق الأولي المتحقق. - الحفاظ على ما سماها الإسرائيليون «رافعة العقوبات» من خلال منع صفقات جديدة من شركات دولية مع ايران، وتشريع واسع في الكونغرس بالنسبة لمزيد من العقوبات تفرض في حالة خرق الاتفاق أو نفاد مفعوله، ومحاولة ايرانية لكسب الوقت حتى عقد اتفاق نهائي. - التأكيد الإسرائيلي على الخيار العسكري من خلال تطوير خيار الهجوم الموضعي والمركز ضد البرنامج النووي الإيراني فقط وإيضاح أميركي تام بشأن قوة وحجم رد واشنطن على خرق الاتفاق أو اكتشاف شبكات نووية أخفاها الإيرانيون أو لحالة توسيع الإيرانيين المواجهة بعد الهجوم المركز. - العودة الى الحوار المكثف مع الأميركيين على مبادئ الاتفاق النهائي، على ان تكون القدسوواشنطن منسقتين في المسائل السبع الأساسية للاتفاق النهائي: مستوى التخصيب في البرنامج الإيراني، عدد اجهزة الطرد المركزي، مخزون المادة التي تخرج من ايران، مستقبل موقع فوردو. عدم تشغيل المفاعل البلوتوني في أراك، عمق الرقابة المستقبلية على البرنامج وإغلاق الملفات المفتوحة في مسائل السلاح. هل تفهم الحكومة بنود الاتفاق؟ رأى الخبير النووي، عوزي ايفن، ان الطريقة الأفضل لمواجهة موقف نتانياهو من الاتفاق هي في الحديث عن جانب من بنوده، التي تؤكد عكس ما يقوله نتانياهو. ولم يخف ايفن شعوره بالذهول من قيادته وإظهارها ضعيفة ومزورة للحقائق، او متجاهلة لها حتى تنفذ سياستها وراح يسرد الحقائق التي يتضمنها الاتفاق، وبرأيه فإن نتانياهو وحكومته يغضان الطرف عنها ويواصلان سياستهما المدمرة لإسرائيل فيقول:» - التهديد النووي الأخطر ينبع من نية ايران تطوير سلاح نووي استناداً الى البلوتونيوم الذي ينتج من المفاعل قيد الإنشاء في اراك قرب اصفهان. ويفترض بإنشاء المفاعل أن ينتهي في 2014 وهو سينتج البلوتونيوم بكمية قنبلتين في السنة. فلماذا يعد هذا هو التهديد الأخطر؟ لأن القنابل النووية التي تقوم على اساس البلوتونيوم صغيرة بما يكفي لتركيبها على صواريخ شهاب الإيرانية التي يمكنها الوصول الى اسرائيل. في الاتفاق المرحلي الموقع تعهدت ايران بوقف كل اعمال البناء في هذا المفاعل. وفي نظري، كان هذا الاختبار الأهم لنيات ايران، وإذا ما نفذ الاتفاق فسيكون التهديد الخطير ابتعد عن اسرائيل. وهنا راح يتحدث عما يخشى الإسرائيليون الحديث عنه وهو المفاعل النووي في ديمونة فقال: «هذا المفاعل ذكّرني بالمبنى والمكان الصحراوي للمفاعل القديم الذي بنيناه في ديمونا قبل نحو خمسين سنة ولمن نسي يجب ان نذكره انه لدينا أيضاً مفاعل، والصحيح أنني شعرت براحة شديدة حين قرأت هذا البند في الاتفاق». - اليورانيوم المخصب، في هذا الجانب قال ايفن: من هذه المادة يمكن بناء قنبلة والقنابل التي ألقيت على هيروشيما كانت من هذا النوع. ويوجه حديثه للقيادة الإسرائيلية قائلاً: «هذه القنبلة كانت تزن ستة اطنان، وبعد عشرات السنين من التطوير في الولاياتالمتحدة، وفي الاتحاد السوفياتي، وفي الصين وحتى في الباكستان لم يعد ممكناً التقليص الشديد لحجمها ووزنها، وهي غير قابلة للإطلاق بالصواريخ الموجودة في ايران. عملياً، لا توجد اليوم اي قوة عظمى نووية تستند الى سلاح يقوم على اساس اليورانيوم المخصب، وتوجد لذلك اسباب فنية عدة، ليس حجم القنبلة فقط بل وأيضاً صدقيتها. فأحد لا يريد أن يستخدم سلاحاً نووياً غير فعال لأسباب واضحة. ولهذا فما كنت لأقلق وجودياً من أعمال التخصيب في ايران، التي ورثت التكنولوجيا التي سبق تطويرها وأهملت من الباكستان. وفي جانب ثالث تساءل ايفن متهكماً: «لعل الإيرانيين اعتقدوا بأنه سيكون بوسعهم الوصول الينا مع قنبلة من اليورانيوم بطائرة قصف وليس بصاروخ؟ ويرد على هذا التساؤل قائلاً: «لهذا أيضاً يوجد جواب في الاتفاق الموقع. فقد تعهد الإيرانيون بعدم تخصيب اليورانيوم الى درجة عالية يمكن بها إنتاج قنبلة. وحتى التخصيب على درجة منخفضة تم تقييده جداً. ولما كان احد لا يعتمد فقط على الوعود الإيرانية، فقد اتفق على نظام رقابة متشدد من اللجنة الدولية للطاقة الذرية، رقابة على درجة من الشدة والخطورة لم توافق اي دولة اخرى في العالم على مثل هذا الترتيب. وبعد هذه الطروحات يتوجه الخبير النووي الإسرائيلي الى قيادته بالسؤال: هل وضعنا تحسن في أعقاب هذا الاتفاق أم لا؟ ويرد:» صحيح ان الحديث لا يدور الا عن اتفاق لستة اشهر ولكنني اشعر بأقل تهديد اليوم. فلماذا حكومتي إذن تواصل الادعاء بأنه ارتكب هنا خطأ فظيع؟ أم لعله من المجدي للإيرانيين ان يقتنعوا بأن الاتفاق جيد وسيقبلونه؟ أم لعله من المجدي صياغة اتفاق دائم في المستقبل مع شروط افضل؟ أم لعله من المجدي منع ايران من التراجع عن الاتفاق في اللحظة التي يكون مريحاً لها ذلك؟ ولكن إذا ما فعلوا ذلك، يكونون قد عرفوا الثمن الذي سيضطرون الى دفعه. أم أن هذا كان هو السبب للانفجار المفاجئ للطف الإيراني. فمن يعتقد أن الإيرانيين أغبياء؟ أنا لا أعتقد. وعلى هذه التساؤلات لم ترد القيادة الإسرائيلية بل صعّدت تهديداتها وتحذيراتها ولم تترك مناسبة الا وروجت للخطر الذي تتعرض له إسرائيل مقابل استعراض قدراتها العسكرية على مواجهة أي خطر يواجهها. وكان افضل استعراض لها تدريباتها الجوية مع الجيوش الأميركية والأوروبية.