تتصدر نشرات الأخبار في جلّ القنوات الفضائية، وفي عناوين الصحف الدولية والعربية قضية المؤتمر الدولي المزمع عقده في مدينة جنيف في 22 الشهر المقبل، والخاص في الشأن السوري، محط الغرابة والاستفهام أن الجميع يعلم مسبقاً أنه لن يتمخض أي تقدم في الحل السياسي، لأن الأسد لن يتنازل عن كرسيه مهما كلف الأمر. ستوجه الدعوة للحضور إلى 30 وزير خارجية، وإلى أضعاف هذا العدد وإلى ممثلين عن النظام والائتلاف، وممثلين عن هيئة التنسيق وأعضاء من حزب الاتحاد الكردي التابعين للنظام... إلخ. سيحضر قاعة افتتاح هذا المؤتمر وكالات أنباء وصحافيون من جميع دول العالم يناهز عددهم عدد الحضور، معظم القنوات الفضائية ستنقل الحدث، وسيشاهد العالم انعكاس أضواء الكاميرات وبريقها، وسيسمع صوت التقاط الصور السريع. سيبدأ الأمين العام للأمم المتحدة، راعية المؤتمر، كلمته بعد 10 دقائق من الترحيب والتهليل بالحاضرين من أصحاب الفخامة والمعالي، بقوله إن قرار الأممالمتحدة «رقم 2118»، ينص على إلزام النظام السوري بتسليم أسلحته الكيماوية، وأن النظام أوفى بتعهداته، ولكنه في الوقت عينه سيكرر أسطوانته المعهودة بأن المجتمع الدولي بات قلقاً من الأزمة الإنسانية، ثم سيصفق له المؤتمرون فيجلس، يصعد بعده إلى المنبر وزير الخارجية الأميركي كيري، ليكرر أيضاً الأسطوانة المشروخة بأن شرعية الأسد انتهت، وأنه يجب إقامة نظام ديموقراطي، ويطالب النظام والمعارضة بعقد مؤتمر وطني موسع، يتولى إصدار إعلان دستوري، تتشكل على أساسه حكومة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، ثم سيصفق له الحاضرون بحرارة، لأنه وزير دولة عظمى، ويكأنه «جاب العيد»، بطبيعة الحال سيقوم بعده وزير خارجية الروسي لافروف، ليقول كلمته التي ستتمحور بأنه يجب وقف العنف واللجوء إلى الحل السياسي، ثم يأتي دور كلمة وزير الخارجية وليد المعلم، ليقول إن سورية تعاني من الإرهاب الدولي منذ بداية الثورة، وإن النظام يحارب الإرهاب عن العالم كله، وإن الأسد منتخب من شعبه، وإن الشعب السوري هو وحده من يقرر مصير سورية، والحل الوحيد هو صناديق الانتخابات، ثم سيقوم ممثل الائتلاف ليلقي خطبة عصماء عن حال الشعب السوري، وسيحصي المجازر التي مورست من لدن النظام وأعداد المهجرين، وستتوالى الشخصيات المدعوة، كل بدوره سيلقي كلمة، وربما سنستمع إلى كلمة وزير خارجية بوركينا فاسو أو وزير خارجية جزر المالديف، ليصيب الحضور الملل والتثاؤب، ومنهم من سيغفو، ومنهم من سيخرج هاتفه النقال، ليتسلى به، مثلما كان يفعل جون ماكين في مناقشات مجلس الشيوخ الأميركي. سيطالب المؤتمرون النظام بالتنازل عن بعض من لغته الخشبية المعهودة، لكي يتمكن الوسطاء من التأطير للعملية السياسية الموهومة، وتطبيق المادتين 16 و17 من قرار الأممالمتحدة «رقم 2118». سيرد عليهم وليد المعلم بقوله: إن الأسد باقٍ إلى نهاية ولايته، وإنه ربما سيعمل على تأجيل الانتخابات الرئاسية المستحقة دستورياً العام المقبل لمدة عامين، وسيطالب بتأمين غطاء سياسي دولي يسمح بتمديد ولاية بشار، استناداً إلى الفقرة ال2 من المادة 87 من الدستور السوري، سيعترض ممثل الائتلاف بقوله: إن «جنيف2» يستند في آلياته إلى قرارات «جنيف1» الملزمة من مجلس الأمن وفق الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة الذي من ضمنه بدء الإيقاف المتزامن للعنف واستخدام السلاح، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمختطفين من مدنيين وعسكريين كافة، وضبط الأمن وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة بإشراف دولي، سيقف وزير الخارجية الإيراني ليجد لها «تخريجة» فيقول: إن قرار «جنيف1» لم ينص صراحة على أن يلتزم النظام بتطبيق بنوده بالترتيب، أي إلزام النظام بتنفيذ البند الأول منه الذي ينص على وقف القتال، لينتقل بعده إلى البند الثاني الذي ينص على الإفراج عن كامل المعتقلين، وهكذا وصولاً إلى البند السابع، إجراء انتخابات ديموقراطية، وهذه هي الإشكالية التي سيغرق فيها المؤتمرون في التعاطي السياسي مع «القرار 2118». فالقرار حمال أوجه، ويشوبه الكثير من الغموض، إذ إن النص يقول صراحة وحرفياً: «إن الحل الوحيد للأزمة الراهنة في سورية سيكون من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية على أساس بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران (يونيو) 2012» أي بيان «جنيف1». وهناك نص في بيان «جنيف1»، يقول بحل كتائب الثوار ومصادرة سلاحهم والإبقاء على جيش ومخابرات بشار. وهنا النص حرفياً: «توطيد الهدوء والاستقرار الكاملين، فيجب على جميع الأطراف أن تتعاون مع هيئة الحكم الانتقالية، لضمان وقف أعمال العنف في صورة دائمة، ويشمل ذلك إكمال عمليات الانسحاب، وتناول مسألة نزع سلاح المجموعات المسلحة، وتسريح أفرادها وإعادة إدماجهم»، وورد في الفقرة (ج) منه «استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين من ذوي الكفاءات، فمن الواجب الحفاظ على الخدمات العامة أو استعادة سير عملها، ويشمل ذلك في ما يشمل قوات الجيش وإدارات الأمن»، وهناك نص آخر يقول حرفياً: «إن النزاع يجب أن يُحل بالحوار السلمي من طريق التفاوض حصراً»، ولنا أن نتخيل إمكان تحقيق أهداف الثورة بالحوار السلمي والتفاوض مع النظام، بعد أن تحل كتائب الثوار، ويصادر سلاحها، ويحتفظ بشار بجيشه ومخابراته. سيواجه مؤتمر جنيف عقبة كأداء في التفاصيل، لنقل السلطة في شكل سلمي، فالائتلاف حين تأسس حدد ثوابته بأنه لن يحاور النظام أصلاً، ثم تراجع إلى أنه لن يفاوض من أياديهم ملطخة بالدماء، وهنا مربط الفرس. فبالمفهوم البراغماتي (الواقعي) بعد ثلاثة أعوام من عمر الثورة، من العسير أن نجد شخصية موالية للنظام لم تتورط في القتل في شكل أو آخر، فأصغر عنصر أمن أو جندي في الجيش متورط حتى شحم أذنيه في سفك دماء الأبرياء، إضافة إلى أن معظم قادة الكتائب المقاتلة على الأرض صرحوا بأنهم لن يقبلوا بالتحاور مع النظام، ولن يلقوا السلاح الذي في أيديهم إلا بعد سقوطه. الحقيقة التي يجب الصدع بها أن «جنيف2» يفهم منه إيجاد واقع يراد من مضمونه إجراء انتخابات خلال وجود بشار في السلطة، وهذا لعمري منطق «خطل»، فأياً كان الأمر، فإن النظام ليس في برنامجه أصلاً بند الاستعداد لوقف العنف والقتل والمجازر والإبادة الجماعية. * باحث في الشؤون الإسلامية.