وجوه غاضبة يائسة، وأصوات نسوية مضطربة تطرح قضية اجتماعية طاولت كثيراً من فتيات مصر، وهي التحرش الذي تجسد بمشاهد تمثيلية وغنائية، قُدّمت على أحد مسارح العاصمة الأردنية، حول قصص وشهادات موثقة بألسنة أنثوية مصرية. ويأتي عرض «أنتِ» ضمن سلسلة مشاريع تهدف إلى نقل واقع نساء مصر إلى العالم، وقدّم قبل فترة في السويد، على أن يقدم قريباً في لبنان ومصر. وتدور أحداث العرض حول قسوة الاعتداءات الجنسية على النساء ضمن التظاهرات الجماهيرية المصرية، مع شهادات مصورة وثقت الحدث بالمكان والزمان، عُرضت في المسرحية لتبين مدى وحشية المشهد الذي اقترن بحقيقة مفادها أن التظاهرات في مصر تكاد لا تخلو من حلقة تتكون من رجال يحملون آلات حادة وفتاة تطلب النجاة لكن بلا مجيب، فتمارَس عليها كل الاعتداءات بدم بارد، أو هكذا يصفن ما يحدث. تساؤلات كثيرة طرحت على المسرح عما وصف بالفساد الأخلاقي والأسباب الحقيقية التي تقف وراءه والفائدة التي يجنيها من يعتدي جنسياً على فتاة خرجت بعدما آمنت بمجتمع يمكنها فيه أن تعبر عن رأيها من دون أن تعود إلى بيتها بوصمة «المعتدى عليها في الميدان». كان واضحاً خلال العرض الذي طغى عليه الحضور النسوي، أن عملاً ممنهجاً يقف وراء من يقف لتكرار هذه الاعتداءات في حق نساء مصر، فمنهن من اتهمن السلطة بذلك أو من يعمل على ترسيخ فكرة انهيار الدولة أو الانفلات في مؤسساتها لتحقيق مكاسب سياسية. بغناء أوبرالي وأداء تمثيلي روت باولينا بفايفر، قصص فتيات شربن من الكأس ذاتها، فأطلقوا رصاصة الرحمة على أنفسهن، وفضلن الموت على حياة لا تغيب عنها نظرات من اعتدى عليهن ومشاهد تعرضهن للاغتصاب. الممثلة علا الشلاشل عبرت عن حزنها العميق إلى ما آلت إليه أوضاع نساء بلدها، فبعد التظاهر للمشاركة في الحياة السياسية وترديد هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام» بات طموحهن الهتاف فقط، «بنات مصر خط أحمر». ثمة من يتساءل بتهكم عندما يسمع هذه الحكايات، عن سبب وجود الفتيات في مثل هذه التظاهرات، ما أثار غضب شلاشل في العرض، لتجيب بسخط أن كل فتاة لديها حقوق خرجت لتطالب بها، لكنّ قسماً من المتظاهرين لم يقدرها وواجهها بالإهانة والذل. وتقول شلاشل ل «الحياة» إنها من الفتيات اللواتي شاركن في جميع التظاهرات منذ بداية ثورة يناير ورأت وسمعت كثيراً من الحكايات حول الاعتداءات الجنسية على الفتيات المصريات، ما دفعها وزملاءها فتح ورشة عمل نتج منه عرضاً مسرحياً، لتنقل معاناة شاء لها أن تكون حبيسة الضحايا من الفتيات وأسرهن. اقتصرت المسرحية على أربع فتيات من جنسيات عربية مختلفة، تنوعت أدوارهن بين التمثيل والغناء باللغة العربية واللهجة العامية المصرية والإنكليزية. وكان لافتاً في العرض أن حب الوطن يأتي فوق كل شيء، فعلى أنغام «حلوة يا بلدي» اختتمت المسرحية ببكاء ممزوج بحسرة على ما حدث في مصر.