«خميس أفندينا يحب عبدالناصر ويدعم السيسي ويقول نعم للدستور». قالها «أفندينا» صريحة مباشرة جريئة شجاعة على لوحة محله الإعلانية حيث «كل أنواع الكاوتشوك وإطارات السيارات». لم يعبأ بالأجواء «الإخوانية» المحيطة في المنطقة الشعبية المنقسمة على نفسها بين «مرسي رئيسي» و «السيسي رئيسي». لم ينتظر قراءة عمرو موسى المتأنية للنصوص الملتهب منها والبارد المفخخ منها والمفرغ. ولم يضع ليلته سدى في متابعة دوائر «توك شو» مفرغة مترنمة بأنشودة «نعم للاستقرار»، ولم يلتفت كثيراً للقفزات البهلوانية الخطيرة أو الحركات الانشطارية الرهيبة التي يبدع فيها حزب «النور» السلفي في الاشتراك/ الامتناع/ الانسحاب/ التوافق/ الاعتراف/ الإشادة/ الشجب/ التنديد/ الانتظار في ما يخص مشروع دستور 2013. جلس يتابع «خلي بالك من زوز» في ليلة اكتمال تصويت لجنة الخمسين على مشروع الدستور، ثم أعقبه ب «آه يا ليل يا زمن»، وأتم الأمسية بالست معلنة «للصبر الحدود»، وحين وصلت إلى المقطع الذي تعلن فيه سأمها وتعبها: «ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بي ومليت» تأوه من قلبه معضداً إعلانها، ومشيراً إلى أن الكيل طفح، والشباب هرم، وبلغ السيل الزبى، لكن بلغته. «قرفنا وسنوافق على دستور عمرو موسى بغض النظر عن محتواه. البلد لازم تنظف». وعلى رغم أن الدستور ليس دستور موسى وحده، وعلى رغم أن العلاقة بين نظافة البلد والموافقة على الدستور ليست واضحة للوهلة الأولى، لكنها مؤشرة وكاشفة ومقصية كلَّ ما من شأنه أن يضيف إلى هموم المواطن ويعظم من ويلاته بالقول أو الفعل أو التلميح. تلميح منظرين وتلويح ناشطين وتأكيد «إخوان» بأن دستور 2013 معيوب أو مكبل أو كافر لن يؤثر كثيراً في عملية التصويت. فالقوى التي اجتمع هواها أو أيديولوجيتها أو مشروعها على محاربة أو مقاطعة أو تشويه دستور 2013 تواجه مشكلة حقيقية مع عموم المصريين المتعبين المنهكين المحبطين القرفانين والراغبين في إنهاء الفترة الانتقالية بطريقة أو أخرى، والانتقال إلى مرحلة قوامها الاستقرار حتى وإن كان على بقايا نظام حسني مبارك أو أنقاض فساد مؤسسي عمره عقود أو أطلال عقيدة حكم ذي قبضة حديد وعين حمراء. عين «الإخوان» الحمراء ستزداد احمراراً مع انتهاء تصويت لجنة الخمسين على مشروع الدستور وبدء العد التنازلي لموعد التوجه إلى معشوقهم الأول ونجمهم الأوحد «الصندوق». صندوق الأمس الذي أتى بمحمد مرسي رئيساً وبالأهل والعشيرة نواباً وحرائر «7 الصبح» وراء القضبان تحول إلى «صندوق قمامة» وعار وخيانة وكوكتيل من العلمانية والكفر والإلحاد مع اقتراب المسار من تصويت المصريين على دستور 2013. هذا الاقتراب يهفو إليه كثيرون، ليس حباً في الدستور أو شوقاً للتصويت أو ولعاً بالجدل والجدل المضاد، ولكن أملاً بالحياة واشتياقاً إلى استقرار استخدمه الجميع فزاعة تارة ونداهة تارة ووسيلة للهيمنة والسيطرة على الصندوق تارة ثالثة. عشق الصندوق الذي ضرب «الإخوان» ضرباً يقترب من أولى خطوات خريطة الطريق الفعلية في أجواء مشبعة بالترقب والتوجس والتهيب والاستعداد للانقضاض. وبين الانقضاض على الثورة والانقضاض على انقلاب الإرادة الشعبية على حكم الجماعة والانقضاض على مصر، يدور رحى الحرب الحالية في حلبة الدستور. أنصار وأتباع ومحبون ومتعاطفون «على رغم أني لست منهم لكن أحترمهم» وكل من تهفو قلوبهم لجماعة «الإخوان» يدخلون مرحلة جديدة من الاستنفار والاستنكار والاستنفاع على إيقاع انتهاء تصويت لجنة الخمسين على الدستور الجديد. الاستنفار يتزايد أملاً في كرة جديدة من الانقضاض على البلاد عبر «ركاب ضد الانقلاب» لتعطيل حركة القطارات، و «كسر الانقلاب بجنيه» بشل حركة مترو الأنفاق، و «عطل عربيتك على الكوبري» بخنق حركة المرور. والاستنكار يتعالى بمغازلة النخوة ومداعبة المروءة حيث تم إجراء تعديلات طفيفة في سبل القفز على إرادة المصريين، فبدل تصدر «الشباب عماد الثورة» و «كسر الانقلاب يبدأ من الجامعات» لجهود الجماعة للعودة إلى الساحة، تمت الاستعانة بالنساء والفتيات أملاً بمصادمات ورجاء لإصابات وشوقاً لاعتقالات لتعظيم جني الأرباح وتفعيل سلاح المخاطبات للغرب (الذي كان كافراً يهدف إلى هدم الإسلام حتى الأمس القريب). أما الاستنفاع فهو عقيدة ومنهج، ولم يكن التوقيت السيّء لإصدار قانون التظاهر والتفعيل الثوري لعودة نشطاء «عصر الليمون» إلى الشارع اعتراضاً وتنديداً إلا هديتين على طبقين من فضة للاستثمار «الإخواني» والتفعيل من قبل أنصار الشرعية والشريعة لمحاربة دستور 2013 ومعاداة لجنته ومهاجمة مناقشيه وتشويه نصوصه والتنكيل بالمنتظرين للتصويت بتأييده على أحر من الجمر أملاً بالخلاص. خلاص «الإخوان» المتمثل هذه الأيام في فعاليات الحرائر وركوب موجة عودة الناشطين يقابله خلاص مصر الذي يبدو أنه متمثل في تفعيل خريطة الطريق حيث الدستور، أي دستور، ثم البرلمان بأي شكل كان، وأخيراً الرئيس، فأسبوع «حرائر مصر أقوى» الذي استهلته الجماعة يحوي تشكيلة منوعة من التشهير بمصر والتنكيل بالمصريين وتشويه مشروع الدستور الجديد المتراوح بين «مكانة صندوق القمامة» (وفق ما نسب إلى القيادي «الإخواني» محمد البلتاجي من محبسه) أو «صوتك أمانة فلا ترميه في صندوق الخيانة» (وفق الحملة الجديدة لأنصار الشرعية) أو «وثيقة الانقلابيين»، وفق أدبيات الجماعة على مواقعها. وإذا كان أنصار الشرعية والشريعة «احتفلوا» أمس بذكرى مرور عام على تسليم الجمعية التأسيسية «الإخوانية» الدستور «الإخواني» للرئيس «الإخواني» في احتفال «إخواني»، فقد استهلوا الفعاليات وبدأوا الأنشطة بمهاجمة «الوثيقة السوداء» و «الدستور المشين» على أنغام الفار عاصم عبدالماجد المتحدث من قطر عن «دستور الأقليات» والجيش المصري «المحتل البلاد». «خميس أفندينا» الذي يجهز نفسه للتصويت بنعم على المنتج النهائي لدستور 2013، والمشهر لتوجهه على واجهة المحل مع صورتي عبدالناصر والسيسي لم يكترث كثيراً لفعاليات الحرائر ولا لتفوهات عبدالماجد، مكتفياً بسؤال استفهامي إنكاري «مين دول؟». ويشاء القدر أن تغني المجموعة من مذياع ما في مكان ما أغنية «دولا مين ودولا مين... دولا عساكر مصريين... دولا ولاد الفلاحين... دولا الورد الحر البلدي... يصحى يفتح... اصحي يا بلدي». وإلى أن تصحو البلد، تستعد الغالبية مجدداً لتصويت انتقامي والأقلية لامتناع انتحاري.