«الحكم غايتنا، المرشد قدوتنا، كل شيء وأي شيء طريقنا، شرعية الصندوق الذي أتى بنا إلى الحكم عقيدتنا، الفوضى وسيلتنا، المشروع العابر للحدود أمنيتنا، الفرقة وجهتنا، فرق تسد سياستنا، التلحف بالدعوة مهمتنا، وكرسي الرئاسة نهايتنا». كلمة النهاية التي يسطرها أنصار «الإخوان» بأياديهم هذه الأيام كاشفة صادمة مكلفة. فمن «الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا» إلى غايتنا غير محددة، وقدوتنا غير واضحة، والقرآن دستورنا لكننا نأتي بعكس ما ورد فيه، والجهاد ضد أبناء الوطن الواحد سبيلنا، والموت أسمى أمانينا ولكن ليس في سبيل الله. أسمى أماني أنصار «الإخوان» هذه الأيام غير محدد وغير واضح، وإن كان التحديد والوضوح من نصيب كل ما يتبعونه من وسائل، وكل ما يلجأون إليه من ذرائع، وكل ما يلتحفون به من أغطية بشرية، وكل ما يسلكونه من مسيرات وتظاهرات واقتحامات وقطع طرقات. طريق النصر الذي يعد قطعه أسمى أماني طلاب وطالبات جامعة الأزهر المنتمين إلى «الإخوان» والمتعاطفين والمحبين بات مؤشراً يومياً لعقيدة الجماعة التي لم يعد أمامها سوى أن تسبغ على طلاب الجامعات شرف «كسر الانقلاب»، وذلك بعد ما فشل كسره بجنيه نظير تعطيل المترو، ودحضه مجاناً بإرباك الاتصالات عبر «رن واقفل»، وهدمه مرورياً عبر «عطل عربيتك على الكوبري»، وفضحه بالمسيرات الطفولية ذات الأصابع الصفراء، والتجمعات «الألتراسية» التي تحولت بقدرة قادر من تشجيع الساحرة المستديرة إلى تشجيع «الشرعية والشريعة»، والتظاهرات الطلابية حيث الحرائر يهتفن «سلمية سلمية» وحين تتيسر الأمور يتم الاقتحام أو يجري تكسير الواجهة أو ينشط رشق الأمن والمواطنين المعترضين بالطوب لهدف حددته قيادات الجماعة ألا وهو المحافظة على أمانة الشرعية. أمانة الشرعية جعلت أنظار الجماعة وقلوبها وعقولها وآمالها في النجاة معلقة على الشباب والمراهقين والأطفال من دون الرجال، وطلاب الجامعات المحبين للجماعة أو المنتمين لها، و «ألتراس» الكرة من المراهقين ممن ظهروا فجأة في فعاليات الشرعية، وأبناء «الإخوان» من الأطفال السعداء بالفسحة حيث النزول إلى الشارع ورفع أصابعهم كما يفعل الكبار، والمبتهجين ب «الاسبراي» الذي بات مسموحاً لهم استخدامه لكتابة «قاتل سيسي» و «سفاح سيسي»، والأخوات اللاتي بات يسمح لهن بالتجمهر والهتاف ورفع الأصابع والمشاركة في محاولات الاقتحام وجهود قطع الطرق والفعاليات السلمية لرشق الأمن والمواطنين بالحجارة. هؤلاء جميعاً هم قرة عين الجماعة وفلذات كبدها الآخذ في التليف. ولاف «الإخوان» عقول شبابهم وأفئدة أتباعهم وربما مشاعر بعض مراهقين وجدوا في تشجيع الشرعية والهتاف للشريعة بديلاً موقتاً عن تشجيع اللعبة الحلوة والهتاف للهدف الضائع. وبما أن هؤلاء يتقاطعون مع أولئك، وبما أن الثورة، التي هي عودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى القصر، عمادها الشباب، الذين هم طلاب جامعات ومشجعي كرة وكذلك أطفال وقت الحاجة، فقد تحول تكتيك «الإخوان» إلى إجراء تغيير اضطراري في نهاية المباراة، إذ استبدلوا الحشود التي تأتي محملة في باصات من المحافظات والمجموعات الكلاسيكية من أنصار الجماعة من الرجال الملتحين، والتي يتم استدعاؤها بغرض الاعتصامات ولزوم المواجهات فتأتي مرتدية الخوذات ومدججة بالعصي الحديد وأغراضها الشخصية في شنط بلاستيكية لزوم الإقامة الكاملة إن لزم الأمر، وحل محلهم شكل أكثر حداثة ومظهر أعمق أثراً، على الأقل أمام الرأي العام الغربي، حيث النساء والأطفال والشباب في غياب الرجال مهما كان الثمن. «الاستمرار في التظاهر أمانة في أعناقنا لا يجب أن نتركها مهما كلف الثمن»، جاءت رسالة القيادي «الإخواني» المحبوس محمد البلتاجي واضحة وصريحة لا ريب فيها كما نقلها نجله، فثمن إقحام أطفال لا تتعدى أعمارهم السادسة والسابعة في مسيرات ضد الانقلاب، وهتافهم الملقن للدعوة للمشاركة في مليونية «إخوانية» لاستقلال القضاء ثمن قليل في مقابل أمانة الشرعية. وأصوات النساء التي كانت حتى الماضي القريب عورة، وهي تجلجل منددة بالجيش والشرطة والشعب، وجهود الأخوات وهي تتبلور في حركات ثورية، على رغم أن النساء المشاركات في الفعاليات الثورية قبل قليل كن «صليبيات وأرامل ومطلقات ومالهمش راجل يلمهم»، مطالبة بتدخل الهيئات الدولية والعربية المعنية بحقوق المرأة للدفاع عن حرائر مصر من عنف الانقلاب، على رغم أن الهيئات نفسها كانت حتى أقل من عام مضى جماعات صهيونية وتجمعات كافرة تعمل لهدم الأسرة المسلمة وتدعو إلى زواج المثليات وممارسة الجنس قبل الزواج، ثمن بخس في مقابل أمانة الشرعية. والتصريح «الإخواني» بأن اقتحام الجامعات هو مفتاح القضاء على انقلاب الإرادة الشعبية، وذلك بعد تكرار فشل محاولات اقتحام منشآت حيوية ووزارات وأقسام شرطية. الطريف أن مسؤول الدعوة في «الإخوان» عبدالخالق الشريف أكد أن كل من يحاول الاعتداء على المنشآت العامة يرتكب عملاً «حرام شرعاً» في عام 2012 وهو ما تحول إلى «واجب شرعاً» في عام 2013. إلا أن جهود «الإخوان» الحالية لكسر انقلاب الإرادة الشعبية ليست كلها عنفاً أو خروجاً على عقيدتهم الرزينة وشططاً عن منهجهم الروحاني، فجهود الديبلوماسية الشعبية «الإخوانية» في الخارج لتعريف العالم الغربي الذي كان كافراً علمانياً بالأمس القريب بعنف «الانقلاب» تجري على قدم وساق هي الأخرى. فمن حضور «إخواني» لندوة الكاتبة غادة الوكيل في باريس حيث تم محاصرتها وطردها عقاباً لها على مواقفها الرافضة ل «الإخوان» والداعمة للجيش، ومشاركة «إخوانية» سلمية في ندوة الكاتب علاء الأسواني في باريس حيث شتائم موجهة ثم سباب مقصود وأخيراً محاولة للانقضاض عليه، إلى حضور «إخواني» سلمي لحفل فرقة الموسيقى العربية في كل من لندن وباريس حيث الهتافات المعادية ومحاولات تعليق صور مرسي، ولما فشلوا اعتلوا المسرح لإيقاف الحفل، إلى وجود «إخواني» سلمي في مهرجان «مالمو» السينمائي في السويد حيث تم الاعتداء على فنانين مصريين قولاً وفعلاً على سبيل الديبلوماسية الشعبية الهادفة كسر الانقلاب سلمياً. «سلمية سلمية»، تتعالى أصوات الطلاب والأخوات والأطفال في فعاليات الجماعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أمانة الشرعية «مهما كلف الثمن». ولأن الصغيرة التي ولدت قبل أيام في أسوان لا تقوى على الهتاف «سلمية سلمية» بعد، فقد اكتفت مواقع الجماعة بنشر صورتها عقب ولادتها حيث «سبحان الله الله أكبر» ولدت الصغيرة وهي تلوح بعلامة «رابعة» فسماها أهلها «رابعة» تيمناً برمز الصمود بما أن «مرسي راجع القصر يوم الأحد العصر» والذي يليه يوم الاثنين يوم المحاكمة.