رحلات متتالية، الوجهة إلى هناك حيث شمال الرياض، فالهجرة باتت أمراً لا بد منه. أحياء في وسط الرياض أضحت تعاني الجفاء من عدد من عوائلها، فالكثير منها نزح بنية اللاعودة إلا للضرورة، فسمعة تلك الأحياء الشمالية والشرقية مغرية لمعايشتها والإقامة وسطها من وجهة نظر البعض، بل حتى الأحياء الجنوبية والغربية لها نصيب جيد من الهجرة، خصوصاً أنها نسبياً تعد منخفضة على المستوى العقاري. أوصاف مختلفة ارتبطت بالكثير من أحياء وسط العاصمة، فوضوية، مهملة، عشوائية وغيرها، في صورة توحي كأنها مدينة أخرى لا علاقة لها بتلك المدينة الواقعة في الشمال مثلاً، فالتفاوت بين واقع الأحياء جلي لكل مُبصر، منها ما يعيش نهضة عمرانية وتطوراً واضحاً، وإن كان البعض يعتبره تطوراً خجولاً، وأخرى تمر بمرحلة الشيخوخة مقاومة متحاملة راجية البقاء. اتهامات تطاول الجهات المعنية مثل الأمانة والهيئة العليا لتطوير الرياض، تكمن في أنها تغض الطرف عن بعض الأحياء وكأنها تعتبرها جزءاً من الماضي الذي لا يستحق سوى التهميش والنسيان، على رغم أنها على مستوى المساحة تعد شاسعة وقابلة للإحياء مجدداً، كما أن العامل التاريخي لها يشكل أمراً دافعاً للاهتمام بها والمحافظة عليها، بيد أن ذلك ليس له الصدى الفاعل حتى وقت قريب، وتحديداً مع إعلان إمارة الرياض إطلاق مبادرة تهدف إلى الالتفات المصحوب بالاهتمام إلى تلك الأحياء. منفوحة، المرقب، العود، الشميسي وغيرها، لم يعد السعوديون فيها يشكلون كثرة، فالجاليات الأجنبية بمختلف جنسياتها أصبحت الأكثر استيطاناً فيها، فليس ثمة ما يشجع على مواصلة الاستقرار، لذا كان الحل الأمثل هو البحث عن بديل يتوافق مع الرغبة والإمكانات، فعدا ما تعانيه من إهمال بالمظهر والخدمات يمثل تدني المستوى الأمني عائقاً مقلقاً، فالكثير من المتخصصين حذروا من إمكان تحولها إلى مواقع إيواء للمخالفين والعصابات، وهذا ما بدا ظاهراً أخيراً مع الحملة التصحيحية لوزارة العمل والجوازات، متهمين الجهات المعنية بإعطاء الأولوية في الاهتمام للأحياء الحديثة التي تتركز في معظمها في منطقة شمال وشرق الرياض، مطالبين بضرورة تحقيق العدالة اللازمة في توزيع الاهتمام بالأحياء وتنميتها بأكملها. ويبدو أن إدارة الأحياء من الجهات المعنية لا تتناسب مع الواقع الحالي لها، تماماً كما يرى عضو مجلس الشورى الدكتور حاتم المرزوقي الذي يجد أن المستوى الأمني في تلك الأحياء متدنٍ مقارنة بأحياء أخرى، الأمر الذي يجعل من الحي بيئة طاردة لساكنيه. ويقول المرزوقي في حديثه إلى «الحياة»: «بالنظر إلى بعض أحياء الوسط نجد أن مستوى الجريمة فيها أعلى من غيرها، ويعود ذلك إلى ضعف الاهتمام بها ونقص الخدمات فيها، وهذا الأمر ليس مسؤولية جهة واحدة وإنما مجموعة جهات، سواء جهات أمنية أم بلدية أم صحية أم حتى تجارية وغيرها، فما تعانيه تلك الأحياء هو من مسؤولية أجهزة مختلفة، كل بحسب مسؤوليته، ولمعالجة ذلك نحتاج إلى فكر إبداعي جديد في إدارة الأحياء السكنية داخل المدينة، فالإدارة الحالية في ظل ازدياد الناس والمساحة الشاسعة غير مناسبة، فالمفترض أن نصل إلى مرحلة يكون فيها ساكنو الأحياء هم من يديرونها، وأن يكون لكل حي سكني حدوده كما يحدث في الخارج، بحيث يكون الدور الحكومي لا يتجاوز الطرق الرئيسة والخدمات، أما داخل الأحياء تكون المسؤولية للسكان، وهذا يوفر الجهد على العمل البلدي ويسهم في أن يكون كل حي مكتمل الخدمات». ويشدد على ضرورة أن تكون التنمية متوازنة على مستوى المدن عموماً، وعلى مستوى المدينة الواحدة، والحد من التفاوت في الاهتمام بين أحياء المدينة الواحدة، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه الإسهام في إيجاد مدينة متكاملة تتناسب مع جميع سكانها، لافتاً إلى أن مشكلة إهمال أحياء والاهتمام بأخرى تحدث في مختلف دول العالم، وتتشارك في مسؤوليتها مختلف الجهات إضافة إلى المواطنين كذلك. وحاولت «الحياة» التواصل مع المتحدث باسم أمانة منطقة الرياض المهندس محمد الضبعان، للتعرف على خطط الأمانة تجاه أحياء وسط الرياض، إلا أنها لم تجد الرد.