جاء رد المتمردين الإسلاميين في الصومال سريعاً ودموياً على مقتل القيادي المحلي في تنظيم «القاعدة» صالح علي صالح النبهان بغارة أميركية يوم الإثنين في جنوب الصومال. إذ بعد أيام فقط من تهديدهم ب «الثأر»، قاد «انتحاريان» مفترضان سيارتين مفخختين إلى مقر قيادة الاتحاد الأفريقي في مقديشو، مما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً، بينهم قادة في قوة السلام الافريقية، وجرح عشرات بينهم 15 في حال خطرة. وأفيد أن اشتباكات بالمدفعية دارت بعد الهجوم المزدوج وأوقعت ما لا يقل عن سبعة قتلى. وأقر مسؤول في الاتحاد الأفريقي مقره نيروبي بأن البعثة الافريقية في مقديشو كانت لديها معلومات مسبقة بأن قاعدتها يمكن أن تُستهدف بهجوم لكن لم يكن لديها إمكانات تسمح لها بمنعه. وجاء الهجوم المزدوج على نسق اعتاد عليه المتمردون الصوماليون أخيراً: تتقدم سيارات مفخخة وراء سيارة أحد المسؤولين وتعبر وراءه الحاجز للدخول إلى الهدف الذي تريد الوصول إليه. وفي هجوم أمس تم استخدام سيارتين سُمح لهما بدخول مقر القيادة الرئيسية للاتحاد الافريقي بعدما لم تثيرا أي شبهات. فقد كانتا بيضاء اللون وتحملان شعار الأممالمتحدة. وقال شاهد صومالي ل «الحياة» هاتفياً إن إحدى السيارتين استهدفت مقر شركة متعاقدة لتقديم الطعام لجنود القوة الافريقية، بينما استهدفت الثانية المكتب الرئيسي الذي كان قد شهد لتوه اجتماعاً بين كبار مسؤولي القوة الافريقية «أميسوم» ومسؤولين صوماليين. وأفيد أن قائد أركان الجيش الصومالي الجنرال يوسف حسين ذومال وقائد الشرطة عبدي قيبديد ونائبه محمد نور حضروا ذلك الاجتماع مع مسؤولين صوماليين آخرين. وقد اصيب نور بجروح خطيرة، بينما نجا المسؤولان الآخرين، بحسب ما قال مصدر تحدث إليهم. وقال هذا المصدر الذي يعمل في القاعدة الافريقية في اتصال هاتفي مع «الحياة» إنه أحصى 11 قتيلاً هم أربعة صوماليين (أربعة نفّذوا الهجومين «الانتحاريين» وكان بحوزة إثنين منهم رشاشان أيضاً) وسبعة أجانب. وتابع المصدر الذي لم يشأ الافصاح عن اسمه أن جثث «الانتحاريين الأربعة» كانت مجثاة في موقع الهجوم. وقال إن ثلاثة صوماليين آخرين يعملون في شركة تأمين الطعام وأجنبيين إثنين آخرين قتلوا في الهجوم المزدوج أيضاً، لكنه لم ير جثثهم. وذكرت وكالة «فرانس برس» من مقديشو أن «حركة الشباب المجاهدين» التي تقود تمرداً في الصومال تبنت الهجومين. ونقلت الوكالة عن الممثل الخاص للاتحاد الافريقي في الصومال نيكولا بواكيرا ادانته من نيروبي الهجوم «الوحشي» في مقديشو، موضحاً أن «قنبلتين على الأقل انفجرتا في المقر العام للقوة منتصف النهار، فأدتا إلى إصابة جنود في قوة حفظ السلام وأحدثتا أضراراً في المنشآت والمعدات». وفي كمبالا، قال الناطق باسم الجيش الأوغندي اللفتنانت كولونيل فيليكس كولاييغي لوكالة «فرانس برس»: «قُتل تسعة جنود لكننا لا نعرف بعد على وجه الدقة عدد الأوغنديين والبورونديين من بينهم». وأضاف أن بين القتلى «المسؤول الثاني في قوة أميسوم، الجنرال البوروندي جوفينال نيونغوروزا»، في حين أصيب قائد القوة الأفريقية في الصومال الجنرال الأوغندي ناتان موجيشا بجروح طفيفة، وكذلك المسؤول في الاستخبارات اللفتنانت كولونيل جون روغومايو. وكان الجنرال البوروندي على وشك مغادرة الصومال مع انتهاء مهمته، وفي طور نقل سلطاته إلى خليفته. وأوضح الناطق أن قائد القوة «أصيب (...) اثناء تنظيمه اجتماعاً لإجراء مفاوضات» بين الفصائل الصومالية. ولم يحدد الكولونيل كولاييغي مدى خطورة اصابة قائد القوة، ولم يعط أيضاً تفاصيل عن الهجوم المزدوج. لكنه قال إن «الانتحاري اغتنم فرصة وجود قافلة للدخول إلى المعسكر». ولم يعرف بعد عدد الجرحى، لكن منظمة «أمريف» المتخصصة في خدمات الإغاثة المحمولة جواً قالت إنها ستنقل خلال الساعات المقبلة 15 جريحاً حالهم خطرة. وقالت إن الأممالمتحدة طلبت منها نقل ستة جرحى إلى نيروبي وتسعة الى عنتيبي في اوغندا. ولا يزال الغموض يحيط بملابسات الهجوم الذي تبنته «حركة الشباب» التي تقاتل الحكومة الانتقالية في الصومال وتستهدف القوات الافريقية باستمرار. ويقع المقر العام للقوة الافريقية (اميسوم) في محيط مطار مقديشو، الذي يمتد مدرجه بمحاذاة الساحل على المحيط الهندي. وقالت حركة «الشباب» التي كانت توعدت بالثأر لمقتل أحد كبار قادتها في غارة أميركية جنوب الصومال هذا الاسبوع، إنها نفّذت العملية المزدوجة. وأعلن مسؤول كبير في حركة «الشباب» طالباً عدم كشف اسمه ل «فرانس برس»: «نفّذنا عمليتين استشهاديتين ضد العدو وتكلل الهجومان بالنجاح». وأضاف: «لقد تكبّد العدو خسائر جسيمة». وتستهدف حركة «الشباب» بانتظام قوات حفظ السلام الافريقية التي تضم نحو خمسة آلاف جندي من أوغندا وبوروندي في البلد الذي يشهد حرباً أهلية منذ 1991. وتقاتل الحركة من أجل اسقاط الحكومة الانتقالية الضعيفة في مقديشو برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد الذي يعتبر من الإسلاميين المعتدلين. ومنذ نشرها في العاصمة الصومالية في آذار (مارس) 2007، وإلى ما قبل هجوم الخميس، فقدت قوة السلام الافريقية 34 جندياً. وقتل في أحد هذه الهجمات وأكثرها دموية 11 جندياً بوروندياً في شباط (فبراير) في اثناء قيامهم بإفراغ مؤن في معسكرهم. وذكرت وكالة «رويترز» نقلاً عن مصادر مستشفيات إن ما لا يقل عن سبعة اشخاص قُتلوا و18 أصيبوا بجروح في معارك بالمدفعية اندلعت بعد الهجوم المزدوج. ويأتي هجوم الخميس بعدما توعدت حركة «الشباب» بالانتقام لمقتل صالح علي صالح النبهان، أحد قادة تنظيم «القاعدة» في افريقيا في عملية نفذتها قوات أميركية في جنوب الصومال يوم الإثنين. وكان النبهان الكيني الجنسية مطلوباً لدى الشرطة الفيديرالية الاميركية لاتهامه بالضلوع في هجمات استهدفت مصالح اسرائيلية في مومباسا في 2002. وقال القيادي في «الشباب» مختار روبو الأربعاء إن «النبهان استشهد لكنه ترك وراءه رجالاً عاهدوا على مواصلة المعركة ضد الأميركيين والصوماليين المتعاملين معهم». وأضاف: «سنضرب مصالح الغرب إلى أن ننزع الركائز الأميركية من الصومال». شروط لإطلاق فرنسي على صعيد آخر (أ ف ب)، دعا متمردو «الشباب» فرنسا إلى وقف كل أشكال الدعم للنظام الهش في الصومال وإلى سحب أي وجود عسكري وذلك لإطلاق سراح عنصر استخبارات فرنسي يحتجزونه منذ منتصف تموز (يوليو). وبعد شهرين من خطف هذا العسكري من فندقه في مقديشو قدّمت حركة «الشباب» للمرة الأولى إلى الحكومة الفرنسية «عدداً من المطالب من أجل اطلاق سراح عنصرها الأمني»، بحسب بيان تلقته وكالة «فرانس برس» في مقديشو وتم تأكيد صحته من قبل مسؤول كبير في الحركة. وفي البيان الذي تم نشره باللغة الفرنسية واللهجة الصومالية، قدّمت حركة «الشباب» أربعة «مطالب» سياسية. وطالبت الحركة فرنسا «بالوقف الفوري لكل دعم سياسي أو عسكري لحكومة الصومال المرتدة وسحب جميع مستشاريها الأمنيين من الصومال». كا طالبت ب «انسحاب كل قوات أميسوم الصليبية (قوة السلام الافريقية في الصومال) وعلى الاخص قوات بوروندي»، في إشارة إلى قوات الاتحاد الافريقي في مقديشو. كما طلب الشباب من فرنسا «سحب جميع فرقها الأمنية الموجودة في الصومال» وأخيراً «سحب قوتها البحرية من السواحل الصومالية». وعلاوة على ذلك طالبت حركة «الشباب» أيضاً ب «اطلاق سراح المجاهدين المعتقلين في البلدان التي سترد اسماؤها لاحقا إن شاء الله». ورد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير معتبراً انه «من الخاطىء تماماً (القول بأن فرنسا تدعم) حكومة غير شرعية، انها حكومة نجمت عن توافق عام في الصومال». وكان تم خطف عميلين لأجهزة الاستخبارات الفرنسية في 14 تموز (يوليو) في مقديشو. واستعاد احدهما وكان مخطوفاً عند جماعة أخرى هي ميليشيا الحزب الإسلامي، حريته في نهاية آب (اغسطس). وأكد للصحافيين انه تمكن من الفرار من خاطفيه في حين قالت المجموعة الخاطفة انها افرجت عنه مقابل فدية الأمر الذي نفته باريس. وتمثلت مهمة العميلين بحسب كوشنير في تدريب عناصر «الشرطة والحرس الرئاسي» للرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد. وتؤكد حركة «الشباب» التي كانت أعلنت مراراً انها ستحاكم الرهينة الفرنسي، أن هذا الأخير مكلف أيضاً «جمع معلومات أمنية (..) يمكن ان تستغل لإطلاق عمليات انطلاقاً من السفن الحربية للصليبيين المتمركزة قبالة سواحل الصومال».