كان ضابئ بن حارث الجرهمي شريراً سيئ الأخلاق هجا بني نهشل بعد أن طالبوه بكلب صيد استعاره ولم يرده بشعر قبيح اتهم فيه أمهم بالكلب، وشكوه الى عثمان بن عفان فسجنه، وأراد قتل الخليفة وفشل وترك بيت شعر معروفاً. هممت ولم أفعل وكدت وليتني/ تركت على عثمان تبكي حلائله الشعر في بني نهشل وأمهم عندي، إلا أنه لا يصلح للنشر، غير أنني فوجئت كثيراً قبل أيام بأن أجده مترجماً الى الانكليزية في كتاب بعنوان «احتقار» جمع فيه السياسي والكاتب البريطاني اللامع ماثيو باريس بعض أسوأ السخرية والنقد والهزء عبر العصور. ومع أن الكتاب عندي منذ 15 سنة، فقد كنت أعود اليه للتسلية، فأقرأ صفحة، أو صفحتين حتى وقعت على شعر الجرهمي، ما أثار اهتمامي بالكتاب كله، ووجدت أنه نشر أيضاً شعراً للعالم والمؤرخ المصري ابن أياس في القاضي ابن النقيب، ولست واثقاً من أن ما بحوزتي هو ما وجدت مترجماً، فلعل بين القراء من عنده الخبر اليقين. فأنا احفظ: ولما أن توليت القضايا / وفاض الجور من كفّيك فيضا ذبحت بغير سكين وإني / لأرجو الذبح بالسكّين أيضا في الكتاب، لا أحد أو بلد يسلم من نقد لاذع عبر العصور، وبعض الكلام قاله أساطين الفكر والسياسة، مع أنه يبدو أحياناً خالياً من أي فكر، وفي أحيان أخرى من نوع كلام «ابن شارع» لم يدخل مدرسة في حياته. مارتن لوثر: الله خلق آدم ليكون سلطان كل الأحياء ولكن حواء أفسدت ذلك. أرسطو: الذكر متفوق بطبيعته، والأنثى متخلفة. واحد يَحكُم والآخر يُحكَم. أوغست رينوار: اعتبر النساء المؤلفات والمحاميات والسياسيات شياطين. صموئيل جونسون: الرجل يسر أكثر بعشاء لذيذ مما لو كانت زوجته تتكلم اليونانية. ماري دورايوتان - شانتال (مركيزة دو سيفيني): كلما رأيت الرجال أكثر، زاد اعجابي بالكلاب. هيلين برودريك: الفارق الوحيد بين رجل وآخر هو لون ربطة العنق (الكرافات). أونوري دي بالزاك: غالبية الرجال تذكّرني بقرد اورانج اوتان وهو يحاول العزف على كمنجة. نانسي استور: تزوجت دون مستواي الاجتماعي. كل امرأة تفعل. ومن الحرب بين الجنسين الى الشعوب، فرأي الناس بعضهم ببعض سيئ دائماً، وهو أسوأ إذا كانوا جيراناً. شكسبير: فرنسا حفرة كلب (من مسرحية «حسن ما ينتهي حسناً»). مارك توين: كان جميلاً اكتشاف أميركا وكان أجمل منه لو كُتِم اكتشافها. أرنولد توينبي: أميركا كلب كبير ودود في غرفة صغيرة جداً. كلما هز ذنبه كسر شيئاً. هنريك فون ترايتسك: الانكليز يعتقدون بأن الصابون حضارة. شون اوفالون: الإرلندي الشاذ رجل يفضل النساء على الخمر. توماس كارلايل: 30 مليوناً، معظمهم حمقى (عندما سئل عن عدد سكان انكلترا). مثل ألماني: حمار في ألمانيا بروفسور في ايطاليا. ويل روجرز: أستطيع أن أقول عن الألمان إنهم دائماً مستعدون لاعطاء أرض شعب آخر الى آخرين. صموئيل جونسون: أنا مستعد لأحب الانسانية كلها ما عدا الأميركيين. وكان جون كنيدي قال يوماً إنه يحمل على كاهله مسؤولية كبيرة، فهو وحده يقف بين ريتشارد نيكسون وأن يصبح رئيس أميركا. ووجدت من سبقه الى الفكرة، فعندما قال دوق يورك لأخيه الملك تشارلز الثاني إن هناك خطراً على حياته، رد الملك: لا خطر، فلا يوجد رجل يقتلني لتصبح أنت ملكاً. في كتاب «الاحتقار» هناك فصول عن السياسة البريطانية والسياسة الأميركية وغيرهما، والكلمات والعبارات المسموح واستعمالها في البرلمان والممنوعة، وأيضاً عن الصحافة اكتفي منها بقول اولاي ستيفنسون: ان رئيس التحرير رجل يفصل القمح على الزؤان ثم ينشر الزؤان. غير أنني أريد أن اختتم بالثقافة، ففيها تعزية لأي كاتب مغمور، أو مؤلف تعرض للنقد والتجريح، لأنني وجدت أنه لم يسلم من الكبار عبر التاريخ أحد، وما قيل في شكسبير لا يكاد ينتهي وعنه: تولستوي: غير مهذب، لا أخلاقي، بلا معنى. فولتير: تلة من فضلات الناس. تشارلز داروين: حاولت جهدي أن أقرأ شكسبير، غير أنني وجدته مملاً ويثير اشمئزازي. ومن شكسبير الى غيره: رينوار عن ليوناردو ديفنشي: انه يصيبني بالملل، كان يجب أن يكتفي بالآلات الطائرة. الليدي كارولين لامب عن اللورد بايرون: مجنون مأفون، ومعرفته خطر. أوسكار وايلد عن الكسندر بوب: هناك طريقتان لكره الشعر. أن تكرهه أو أن تقرأ شعر بوب. فولتير عن ملتون في «الجنة المفقودة»: غامضة، مستهجنة، مقززة. ولعل في ما سبق عزاء لضحايا النقد اليوم، وليس بينهم ملتون أو شكسبير.