أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلف «الظواهري - الجولاني»... جشع السلطة يبتلع «الاعترافات» و«التزكيات»
نشر في الحياة يوم 18 - 11 - 2014

كشفت مجريات الأحداث في العراق وسورية عن وجه آخر لقيادات التنظيمات الإسلامية، وعلى رأسهم زعيم تنظيم القاعدة الأم أيمن الظواهري، وجه تعلوه ملامح جشع السلطة، أظهره الخلاف بين أبوبكر البغدادي وأبومحمد الجولاني الذي انشق عن الأول مكوناً «جبهة النصرة»، مستولياً على نصف مال وسلاح تنظيم «داعش». وبدا التناقض في خطاب الظواهري خلال الأشهر الماضية جلياً، فقبل أعوام كان الظواهري يعترف بقوة وعزة ما يسميه «الدولة الإسلامية في العراق» ويفاخر برجالها، ويزكيها أيما تزكية، ويؤكد في خطاباته ويرد على السائلين عن وضع «القاعدة» و«الدولة»، بأن فرع القاعدة في بلاد الرافدين انضم تحت لواء «الدولة»، مبرراً ذلك بأن «الدولة» لا تتبع «تنظيماً» وإنما العكس، علماً أن هذه الخطابات كانت في معظمها قبل مقتل أسامة بن لادن أو بعده بقليل.
وذهبت تأكيدات الزعيم المصري ل«القاعدة» أدراج الرياح، بعد خصام «داعش» و«النصرة» ليقف في وجه البغدادي مناصراً الجولاني، معتبراً أن إعلان «الدولة الإسلامية» ومن ثم «الخلافة» أمراً «مرفوضاً» لم يستشر به أو يستأمر فيه، معلناً بدوره أن «الدولة» وقيادتها مرتبطة ببيعة له في «التنظيم الأم».
وبينما فضل البغدادي «الترفع» عن مجادلة الظواهري، أطلق منظريه ليفضحوا ادعاءات الأخير، حين طرحوا تساؤلات عدة حول ما إذا كان يعلم شيئاً عن «رعيته» التي يزعم بأنه أميرها، عن أعداد الجند أو مصادر التمويل أو عن أحوالهم العامة والخاصة، معتبرين بأن الجهل بمثل هذه الأمور لا يمكن أن يكون لقائد أو أمير. وبحسب مراقبين فإن نزعة «القطرية» برزت في خطابي الظواهري والجولاني، عندما قررا عدم الاعتراف ب«دولة البغدادي»، فزعيم «جبهة النصرة» قرر الاستئثار ب«سورية» كونه سورياً، بينما جاء في خطاب زعيم القاعدة في أفغانستان أن مجاهدي العراق حدودهم أرض العراق، وهو ما يخالف مبادئ الجماعات المسلحة الإسلامية وفي مقدمها «القاعدة»، ويطرح استفهامات عن الدوافع التي أصابت زعامات التنظيمات ب«القطرية» على حين غرة!
كان أحد «فدائيي صدام» والتحق ب«الحواسم» وبايع «أمير المؤمنين» ونقض البقّال «ذو الأسماء»... ثعلبٌ مزق «دولة البغدادي» واختطف «النصرة» الشرقية من الجولاني لم يدر ببال أمير «دولة العراق» أبوبكر البغدادي عند موافقته على مشروع «نصرة الشام» الذي تقدم به إليه أمير «جبهة النصرة» (لاحقاً) أبومحمد الجولاني أن موافقته على تلك «النصرة» ستكون مسماراً في نعش «دولته»، وأن تلك البداية التي كان ينتوي بها توسع نفوذه ستكون هي نفسها نذير انطلاق الزلزال الذي سيؤدي إلى انقلاب «قاعدة الظواهري» عليه، وانشقاق نصف «دولته» (رمزياً) عنه، ولا كان يتوقع أن انقلاب رجله السوري المفضل (أبومحمد الجولاني)، الذي أرسله ليساعده في اختطاف الثورة السورية، سيكون بتأثير من أحد التائبين على يدي البغدادي نفسه، وهو «ميسرة الجبوري». في مقطع صوتي أصدره أبومحمد الجولاني معلناً فيه رفضه الانضمام إلى ما سمي «دولة العراق والشام» بعد ذلك، اعترف الأخير بأن أبوبكر البغدادي كان وافق على مشروع تقدم به من أجل نصرة أهل الشام، وبعثه مع صفوة من رجاله، وزوده بشطر مال «دولته» من أجل الانتقال إلى سورية، لكنه رفض مع ذلك انضمام سورية إلى «دولة العراق»، كما نقض بيعة البغدادي في الشام، وأعلن انضمامه وبيعته لزعيم «القاعدة الأم» أيمن الظواهري، لتصبح «جبهة النصرة»، بعد أن كانت بعثة «دولة البغدادي» إلى الشام مرادفاً ل«قاعدة الجهاد في الشام». لم تكن تلك هي بداية قصة انشقاق الجولاني عن البغدادي، إذ لم يكن في مقدوره ذلك لولا أن توافر لديه من الدهاء والوسائل والرجال ما يمكنه من ذلك، وكان على رأس أولئك رجل ماكر، هو ميسرة الجبوري، كان يعمل آنذاك «بقالاً» في سورية، يتسمى بعشرات الأسماء، واستطاع بذكائه المفرط أن يقنع جميع الجهات المتحاربة بتقلبه في ما بينها طوال حياته بكل حرية وسلاسة. ويرجع أبوماريا القحطاني، أو ميسرة البقال، أو أبوماريا الهراري، أو ميسرة المهاجر، أو أبوماريا الغريب، أو ميسرة الجبوري... إلخ، إلى قبيلة الجبور، التي تشكلت منها «الصحوات» العراقية بعد إعلان اسم «الدولة الإسلامية» في العراق، وكان على زمن الرئيس الأسبق صدام حسين منضماً إلى «فدائيي صدام»، وبعد سقوط النظام عمل مع «الحواسم» ثم انضم إلى الشرطة العراقية، لكنه بعد أن هدده تنظيم «الدولة» رجع وأعلن توبته من «الردة» وبايع للتنظيم، وانضمّ إلى البغدادي، ثم بعد ذلك استأذن من أميره للذهاب إلى سورية بحجة مرض والدته، فسمح له بالانتقال إليها مع زوجته، وهناك في سورية انقطع أبوماريا تماماً عن «الدولة» تماماً، ليؤسس بقالة لبيع الملابس، ويبقى فيها منتظراً مستجدّ الأحداث، متجاهلاً عتابات أميره له وأوامره الصريحة له بالعودة، وفور انتقال بعثة «جبهة النصرة» التابعة للبغدادي (آنذاك) إلى سورية سارع ميسرة البقّال إلى الانضمام إليها، وتسنم فيها ما يقال إنه منصب كبير الشرعيين. ومنذ تلك اللحظة بدأ أبوماريا السعي إلى تأليب الجولاني على أميره وراح يحذر القبائل من الدخول في بيعة البغدادي، وعقد تحالفاً فكرياً مع شرعيين سعوديين وكويتيين قادمين ل«الجهاد» في سورية من بلدانهم، ليسلم التيار الفقهي في «النصرة» إلى تشكيل «سروري» يحرص على إقناع المتشددين في «الجبهة» بمرجعيته إلى «القاعدة» ويجرئهم على التملص من تبعات الانتماء إلى «البغدادي». ومنذ اللحظة الأولى ركّز أبوماريا القحطاني على تحذير الجهاديين في سورية من منهج «دولة العراق»، وعلى زعزعة ثقة الوجهاء بها، خصوصاً أنه ينتمي إلى قبيلة عراقية عربية معروفة، لها تجربة في عمل «الصحوات»، ولديه خبرة في وسائل التواصل مع العشائر. هذا الأمر أقضّ مضجع البغدادي في العراق، فوجه إلى مبعوثه الجولاني (الذي كان لا يزال تابعاً له بالاسم على الأقل) أمراً بطرد أبوماريا بصرامة، فرفض الجولاني ذلك، ووعد البغدادي بأنه في حاجة إليه لجمع قلوب شتى التيارات والعشائر عليه، وأنه سيتخلص منه فور الاستغناء عنه، واستمر أبوماريا بوصفه شرعي «جبهة النصرة» في التركيز على استمالة قلوب جهاديي سورية وعشائرها المؤيدة لفكرة «الجهاد» إلى الجولاني، وتأليبهم على البغدادي، خصوصاً في مناطق حلب وحماة وحمص وأدلب، وغيرها من المدن التي طُردت منها «داعش» أخيراً. ومنذ البدء ركّز أبوماريا عمله على توثيق التحالف مع شرعيين سروريين مثل أبوالحسن الكويتي وعبدالله المحيسني وأضرابهما، الذين يوصفون بالتعاطف مع «القاعدة» وأن لهم خلفيات سرورية معادية للبغدادي، وشيئاً فشيئاً تم له الأمر، موظفاً الخلافات التي تدور بين الجولاني والبغدادي في توسيع هوة الانشقاق التدريجي ل«النصرة» عن «الدولة»، إلى حين «وقعت الفأس في الرأس» بإعلان البغدادي ل«دولة العراق والشام»، وتصريح الجولاني باستقلاله عنه وبنقله البيعة من البغدادي إلى زعيم «القاعدة الأم» أيمن الظواهري، وبهذا وقع «ما صنع الحداد» بين أمير الدولة وقائده المنشق، واحتشد سروريو الخليج والعرب المتعاطفون مع «الظواهري» ومنظرو القاعدة المصريون والمغاربة، وصاروا صفاً واحداً ضد البغدادي، فنشبت بعد ذلك خلافات ضارية انتهت باشتباكات عسكرية. وإلى جانب الجولاني والظواهري، وبمباركة من منظري «القاعدة» والسروريين، وبقية شرعيي الجولاني مثل أبوعبدالله الشامي، وبتأييد من جهاديي سورية مثل «صقور الشام» و«أحرار الشام»، انضم أبوماريا إلى الحلف الذي تبنى دعوة البغدادي إلى عقد محاكم شرعية مستقلة للفصل في الخلاف بين «داعش» و«النصرة»، الأمر الذي رفضه «داعش» تماماً، لعلمه بأن المحاكم المستقلة التي يرغب المنشقون عنه في عقدها بموجب الحل الذي طرحه مبعوث الظواهري للفصل بين الفريقين أبوخالد السوري، وتضم في غالبيتها سروريين متعاطفين مع الظواهري، أو منتمين إلى تنظيم «القاعدة» الأم. وعلى رغم الهدنة العرفية المتقطعة بين الفريقين وقع حدث مهم، وهو مقتل أبوخالد السوري (من أصدقاء ابن لادن والظواهري القدماء) الذي كان وكيل الظواهري على مشروع الإصلاح بين الفريقين، وكان هو عراب «المحاكم المستقلة» ومنضماً إلى «أحرار الشام»، فاتجهت أصابع الاتهام إلى «داعش» في قتله، وهنا أصدر الظواهري بياناً يرثي فيه أبوخالد السوري ويصف قاتليه بالخوارج ومستحلي الدماء، لينضم إليه رثاء آخر للجولاني، ولمشايخ السرورية ومنظري «القاعدة» في كل أنحاء العالم، وكذلك أصدر الجولاني مرثيته، ولم يتخلف أبوماريا بالطبع، ليتحول التحالف المعقود بين هؤلاء جميعاً إلى تحالف عسكري سافر في وجه البغدادي، وانعقد حلف «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» (مشمش)، الذي يضم «جبهة النصرة في الشرقية» و«الجبهة الإسلامية» و«أحرار الشام» و«صقور الشام»، ليعلنوها حرباً شعواء على «دولة البغدادي»، انتقاماً مما أسموه الغدر بالمجاهدين، الذي يعد أكبر دليل عليه (بحسبهم) مقتل أبوخالد السوري، ونشبت المعركة بين «التحالف الجهادي» و«داعش»، فاستطاع هزيمة البغدادي وإخراجه من جميع مناطق الوسط التي له حضور فيها، وجرى إجلاء «داعش» بالكامل إلى قريب من الحدود الشرقية لسورية مع العراق، وحدثت في رجال البغدادي مقتلة عظيمة (أكثر من 500 قتيل) لم يستطيعوا معها استعادة نشاطهم وترتيب صفوفهم إلا بعد إعلانه «الخلافة»، وزحفه الجديد إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة. لكن أبوماريا لم يقف عند هذا الحد، بل استغل اتحاده مع بقية «مشمش» وشخصيته الشرعية، وجاذبيته عند العشائر السورية، وشرع في السعي التدريجي بما معه من مقاتلي «النصرة» وسلاحها، إلى الاستقلال ب«النصرة الشرقية» عن الجولاني، وأصبح المسيطر الفعلي على عملياتها وقراراتها وجنودها وعتادها في دير الزور والميادين وجميع المدن الشرقية، وانشغل الجولاني عن ذلك بوقوف بعض فروع «جبهته» موقف الحياد من الخلاف بينه وبين «داعش»، وانضمام بعضهم إلى بيعة البغدادي من جديد، إضافة إلى أن أحد حلفائه الشرعيين، وهو سلطان العطوي اختلف أخيراً مع الجولاني وأبوحسن وأبوماريا وأبومصعب والشحيل، وعلى إثر ذلك قام أبوماريا بعزله ومضايقته، إلى أن أفلت منه «العطوي» أخيراً، وانضمّ إلى «أنصار الدين» السورية، التي رفضت انضمامه إليها بدورها، في حين أن أبوماريا أصبح الآن في «النصرة الشرقية» شبه مستقل عن الجولاني بقوة وعتاد وجنود وعلاقات متينة مع العشائر ومع «مجلس شورى المجاهدين» لا يستهان بها، ولم يعد للجولاني أية سيطرة مباشرة إلا على المناطق الوسطى ل«النصرة» وعلى القرار السياسي والإعلامي لها. ويعزو منظرو «داعش» جميع ما لحق بتنظيمهم من الخسائر المتعلقة بالمشكلات والانشقاقات الداخلية إلى مساعي أبوماريا وأبوعبدالله الشامي والسروريين الشرعيين المتحدين معهما، مستدلين لذلك بأن فروع «النصرة» التي لم يستطع أبوماريا والسروريون الاحتكاك بها مباشرة والتغيير في قناعاتها لا تزال إما داخلة في بيعة «الدولة الإسلامية» مثل فرع «النصرة» في البوكمال، أو على الأقل معتزلة ومحايدة تجاه النزاع الدائر بين الفريقين، كما أن بعض فروع «النصرة» المحايدة التي يذكر أنها بعيدة عن تأثير أبوماريا، مثل فرعها في «القلمون»، إذ لا يزال قادتها وجنودها ينسقون في غرف عمليات مشتركة مع «داعش»، سواء داخل الحدود السورية ضد نظام بشار، أم حتى خارجها، كما هو الحال في الاقتحام الشهير المنسق بين «داعش» و«نصرة القلمون» لمدينة عرسال، وقتالهما المشترك ضد الجيش اللبناني داخل الأراضي اللبنانية.
الازدواج والاستقلال يهددان بمحو أطياف «قوس قزح» الجولاني لا يكاد متابع ينكر أن زعيم «القاعدة» الأم أيمن الظواهري، والفصائل الإسلامية الأخرى وسائر أطياف المقاومة السورية، وكل منظري «القاعدة» والسروريين المحرضين على «الدولة»، جميعهم، انجرّت أقدامهم إلى المواجهة مع أبي بكر البغدادي ودولته، لأسباب كان من أبرزها الخلاف الذي دار بينه وبين مبعوثه إلى الشام أبي محمد الجولاني، فالفصائل الإسلامية، و«قاعدة خراسان» وكل المناوئين للبغدادي يكادون يتفقون مع «النصرة» في موقفها المجمل من الصراع الدائر بينها وبين «داعش». ومع ذلك فإن بعض فروع «القاعدة»، وإن كانت شبه منحازة إلى الجولاني في عدم موافقته على الدخول في بيعة البغدادي، فإنها تعتب على «النصرة» ما تعده تحولات طارئة في المنهج، منذ انشقاقها عن البغدادي ورفضها الانتظام في «دولته». وعلى سبيل المثال، أصدر فرع القاعدة في «الصومال» أخيراً عتاباً شديد اللهجة لجبهة النصرة («القاعدة» في الشام) لأنهم أطلقوا أسرى أميركيين كانوا في قبضتهم، محتجين بأن هذا مضاد لمنهج «القاعدة» وأدبياتها، كما تنقم بعض فروع «القاعدة» من «النصرة» تعاملهم وتواصلهم مع «الأمم المتحدة» وطلبهم منها إزالة «النصرة» من قائمة الإرهاب. ولذا، فإن الاتفاق الضمني مع «النصرة» ضد «داعش» في بعض اختياراتها، لا يعني اتفاق فروع «القاعدة» معها في اختيارات أخرى، بل إن النصرة نفسها، بوصفها فرعاً من فروع «القاعدة»، ليست متفقة بجميع أطيافها على عداء «داعش» عداء يجرها إلى المنابذة الصريحة، كمنابذتها الأميركيين أو الحكومات أو الميليشيات الشيعية. بعض المنتمين إلى «النصرة» انشقوا عنها وبايعوا البغدادي، بيد أنه لا توجد قيادة كاملة برجالها وعتادها انشقت عن الجولاني وبايعت البغدادي، باستثناء «النصرة» في البوكمال السورية (قريباً من الحدود العراقية) بقيادة أبي يوسف المصري، التي وجه إليها التحالف الدولي أخيراً، إضافة إلى مدينة الرقة (في سورية) ضربات قوية استهدفت بناها التحتية، باعتبارها ذراعاً عسكرية قوية واستراتيجية ل«داعش». وكان من أسباب انشقاق بعض «الجهاديين»، أو تخليهم عن الحياد بين الجانبين وانضمامهم إلى البغدادي، بدء اغتيال بعض القادة العراقيين في «النصرة» وتوجيه الاتهام إلى الجولاني بأنه يريد التخلص منهم خشية فرارهم منه إلى البغدادي، وكذلك حين بدأ قادة «النصرة» في التفريق والفصل بين المهاجرين (المقاتلين من الخارج) والأنصار (المقاتلين السوريين)، وإرسال «المهاجرين» إلى مناطق التماس الخطرة داخل خطوط العدو، كان من أبرزها الطريق الملغم في حلب بكامله، الذي بعث الجولاني - بحسب المنشقين عنه - إليه أكثر من 370 «مهاجراً»، بين تونسيين وسعوديين وشيشانيين، وقتلوا جميعاً، ما أدى إلى انتقال كثير من «المهاجرين» إلى البغدادي بالمئات، من ضمنهم قادة غربيون، وهو الأمر الذي دفع مجموعة الشيشانيين في سورية سائرها إلى الدخول في «دولة الخلافة» بقيادة أبي عمر الشيشاني. وعليه، كانت هذه الاتهامات التي انتشرت في محيط الجولاني وألّبتهم عليه، من أسباب مبايعة أعداد كبيرة من «المهاجرين» للبغدادي، باستثناء الكويتيين والسعوديين وبعض المصريين، الذين لم تكن تنتابهم المخاوف التي انتابت الآخرين، لأسباب عدة، من بينها تلقي «جبهة النصرة»، منذ بدايتها، الدعم غير المنقطع من كثير من الدعاة في السعودية والكويت، مثل عدنان العرعور وحجاج العجمي وغيرهما، ونتج من ذلك أن أصبح في شرعيي «النصرة» بعد انشقاقها عن «داعش» بعض الأسماء من الخليجيين، مثل أبوالحسن الكويتي وسلطان العطوي (انشق لاحقاً إلى «أنصار الدين» السورية) وسامي العريدي، وكذلك كان من أسباب تثبيت الخليجيين والمصريين لدى الجولاني حفاوة «النصرة» بالمنضمين إليها من الشرعيين والدعاة مثل عبدالله المحيسني وغيره.
ما صنع «الحدّاد» بين البغدادي ومبعوثه... بالتسلسل الزمني تعد نقاط الاختلاف بين البغدادي والجولاني - بحسب التسلسل الزمني - على النحو الآتي: عصيان «النصرة»، التي أرسلها البغدادي من العراق بنصف مال تنظيمه مع دعم قوي من قادته، أوامره. واتهام البغدادي الجولاني باغتيال بعض الكوادر المرافقين له من أتباع «داعش»، وكذلك ما يعده البغدادي نقضاً للبيعة، ثم رفضه الاستجابة حين طالبه البغدادي برد المال والسلاح الذي أرسله به من العراق إلى سورية، كما أبى تسليمه المناطق التي فتحها باسم «الدولة الإسلامية». وثمة نقاط اختلاف أخرى هي الأهم، أسهمت في تحالف الفصائل وشنها الحرب الأخيرة على «الدولة»، وعلى رأسها اتهام «النصرة» البغدادي بقتل قيادات الفصائل الإسلامية مع نائب الظواهري في الشام أبوخالد السوري، ثم بعد ذلك القيام بحملة على «داعش» وقتل أكثر من 500 من مقاتليه، وصار رجال البغدادي بعدها يتهمون «نصرة الجولاني وأبي ماريا» بترك قتال نظام بشار الأسد، منشغلين بطرد كل أتباع «الدولة» وملاحقتهم بعد انسحابهم إلى المنطقة الشرقية، إضافة إلى تحالفات فرع «النصرة» الشرقي مع فصائل يكفّرها الجولاني و«داعش» ، مثل «الجبهة الإسلامية» و«حركة حزم». أما ما تنقمه جبهة «النصرة» من «داعش» منذ الوهلة الأولى، فهو اتهامها التنظيم بالغلو في التكفير، وذلك بعد انضمام الشرعيين الجدد إلى الجولاني، وهم أبوماريا القحطاني وأبوالحسن الكويتي وآخرون، ممن يسميهم داعش «السرورية» و«الإخوانية»، إضافة إلى أن الجولاني ينكر عدم اعتراف البغدادي باستقلاله عنه في وضعه الجديد، كما أن رجاله يتهمون البغدادي بأنه وراء محاولات اغتيال أميرهم، فضلاً على وقوفهم مع «حركة أحرار الشام» في اتهامها البغدادي بضلوعه في مقتل ممثل الظواهري أبوخالد السوري وطائفة من رفاقه. وينتقد أتباع الجولاني «داعش» لإرساله رجاله السعوديين والخليجيين الذين يخشى انضمامهم إلى «النصرة» إلى الهلاك، وتركيزه على انتقائهم للعمليات الانتحارية، وأيضاً تنقم «النصرة» من البغدادي أنها بعدما دحرته في الحلف المشترك مع «الأحرار» و«الجبهة الإسلامية» وألجأته إلى شرق سورية، لاتزال تطالبه بالتحاكم معها إلى محاكم شرعية مستقلة، الأمر الذي رفضه البغدادي بصورة نهائية، لأنه كان يرى أن المحاكم المستقلة هي محاكم مشكلة من سروريين متعاطفين مع الجولاني والظواهري، وسيحكمون بإسقاط دولته لا محالة.
قادة «النصرة» المزدوجون.. والمستقلون
ثمة قادة ينتمون رسمياً إلى «جبهة النصرة»، ويتسلمون رجاله وسلاحه، وهم في الوقت نفسه يعدون قادة في «الجبهة الإسلامية» و«أحرار الشام»، وهم أولئك الذين تكوّن منهم بعد ذلك «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» (مشمش)، ولذا فإن أبوعيسى الشيخ، وهو قائد «صقور الشام» وقائد في «الجبهة الإسلامية» و»أحرار الشام» كذلك، وله الكلمة العليا فوق مقاتلي «النصرة» في «الشرقية» –تقريباً-، ويمكن اعتباره قائد فرع «النصرة» في الشرقية. وتحالفت هذه الفصائل على قتال «داعش» ودحره من حمص وحلب وحماة وإدلب ومن سورية كلها، وذلك بعد مقتل أبي خالد السوري وبعض من معه من «أحرار الشام»، واتفقت «النصرة» مع «أحرار الشام» وبقية الفصائل على قتال «داعش» بعد اتهامهم إياه بقتله، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 500 من تنظيم البغدادي وانسحابه من المناطق التي كان يسيطر عليها إلى شرق سورية. ومن الأمثلة على القادة الموالين ل«النصرة» مع مخالفتهم له في بعض الأصول والأدبيات، أبوعيسى الشيخ، فهو يختلف مع الجولاني في بعض التفاصيل، وأعلنت «داعش» تكفيره ومن معه بسبب أنه تحالف مع حركة «حزم» التي يصفها تنظيم «الدولة» بأنها «أميركية»، إلى جانب إجراء أبوعيسى الشيخ مقابلات مع الأميركيين على حدود تركيا لتسلم المال والسلاح لقتال «داعش»، وهذا من الأسباب التي من أجلها يكفر «داعش» كل من يقاتله مستعيناً بالغرب أو بالأتراك أو بفصائل غير إسلامية، باعتبار «الناقض الثامن» من نواقض الإسلام. وفي فرع «النصرة» في القلمون (شرق النبك) يتضح التباين والاختلاف في هذا الفرع عن القيادة الرئيسة المجاورة له (في الوسط) أو عن الفرع المحالف للفصائل (في الشرق)، فعلى رغم أن فرع القلمون يتركز في وسط سورية وتحول بينهم وبين مناطق تمركز البغدادي في البلاد مئات الأميال فهم محايدون تماماً بينه وبين الجولاني، ويرفضون قتاله، في حين تدور بينهم وبين الجيش الحر نزاعات واشتباكات، وهم في اختيارهم هذا مخالفون لأفرع «النصرة» في حماة وحلب وأفرع الساحل، التي تعد المركز الأساسي للقيادات التابعة للجولاني وسياسته، بعدما انسحب الأخير من دير الزور إلى هذه المدن، وتردد أنه خشي على نفسه أخيراً من حليفه الشرعي أبي ماريا القحطاني، الذي دخل في حلف كبير مع «أحرار الشام» و«الجبهة الإسلامية»، وبعد قيام شرعي آخر هو سلطان العطوي بالانقلاب على «النصرة» ورجالها في «الشرقية» ، ثم انشقاقه إلى «أنصار الدين»، وأصبح دور الجولاني شبه منحصر على أتباعه في حماة وحلب وحمص والساحل، أما تبعية بقية أفرع «النصرة» له فهي تبعية بالاسم وبحمل اللواء وتلقي التوجيه. ومن أجل هذا الاختلاف والتنوع في فروع «النصرة» داخل سورية، فإن فصائلها غير التابعة مباشرة للجولاني وأبي ماريا ربما تشارك «داعش» في غرف عمليات مشتركة في بعض حملاته ضد النظام، مثَلُها في ذلك مثَل جيش «المهاجرين والأنصار» وغيره من الفصائل الإسلامية المستقلة عن «الجبهة الإسلامية» التابعة لزهران علوش، ولهذا فإن جميع الفصائل الإسلامية في الجنوب والجنوب الشرقي من سورية انضموا ل«داعش» وبايعوه ودخلوا الآن في مناطق حدوده.
لمشاهدة صفحة «تحقيقات» عن «القاعدة» بصيغة ال (PDF).
شجرة «الجهاديين» تطرح ثمارها في أرجاء العالم («القاعدة» تنجب قَتَلَتَها.. وتصنع «سايكس بيكو» ذاتياً)
الفروع المضطربة تهيم على وجوهها («إمبراطورية الفتات»... ميليشيات «متناحرة» وتقلّب في المناهج)
زعيم « القاعدة» الأم يصاب ب«هستيريا» النقض.. و«لعبة الكراسي» تفضح المستور( حلف «الظواهري - الجولاني»... جشع السلطة يبتلع «الاعترافات» و«التزكيات»)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.