وصف رئيس الوزراء السوداني السابق، زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي الأوضاع في بلاده بأنها مأزومة، والنظام الحاكم محاصر سياسياً واقتصادياً وأمنياً ويعاني عزلة دولية وانقساماً داخلياً. وقال المهدي في مقابلة مع «الحياة»: «إن الاحتمالات التي تواجهها بلاده انتفاضة شعبية تطيح النظام الحاكم، أو وصول تحالف متمردي «الجبهة الثورية السودانية» التي تتألف من الحركات المسلحة الرئيسة في دارفور و «الحركة الشعبية – الشمال» إلى الخرطوم بالقوة ما سيؤدي إلى حرب أهلية، أو قبول الرئيس عمر البشير تسوية سياسية عبر مؤتمر دستوري ينتهي بحكومة قومية تقود البلاد فترة انتقالية». ورأى أن هناك تحولاً في موقف البشير وقادة الحكم من الإقصاء إلى القبول بمبدأ قومية الحكم والدستور والسلام، غير أنهم لم يهيئوا أنفسهم لدفع استحقاقات ذلك التحول ما يدفع المعارضة إلى ممارسة مزيد من الضغوط على النظام الحاكم. وكشف المهدي عن تفاصيل خلافاته مع شركائه في التحالف المعارض، مشيراً إلى أن التحالف إذا لم يقبل بمقترحاته فإنه سيتبنى إنشاء تحالف جديد باسم برلمان المعارضة الشعبي يضم حزبه مع قوى أخرى تؤمن بنظام جديد. وقال المهدي: «إن هناك ست جبهات للقتال في البلاد، تستنزف الطاقة العسكرية والأمنية للنظام الحاكم الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة لم تستطع إجراءاته التقشفية معالجتها، كما أن غالبية القوى السياسية تعارض الحكومة، وخرجت ثماني مجموعات من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وصار بعضها أحزاباً مناهضة له»، لافتاً إلى أن «الخرطوم تواجه قرارات دولية خطيرة، ما شل تحركاتها الخارجية وتركها في عزلة دولية». وفي شأن اتجاه البشير لتشكيل حكومة جديدة قريباً، رأى المهدي أن «الأزمات التي تعيشها البلاد مستفحلة وليست متراجعة، وأن تشكيل حكومة من الحزب الحاكم وشركائه الحاليين خطوة لن تحقق شيئاً جديداً لمعالجة الأزمات، لأنه سيكون هناك تغيير في الوجوه والأسماء وتبادل لكراسي السلطة، وسيبقى النظام كما هو بلا تغيير في السياسات والمنهج السائد حالياً، بالتالي سيكون «ترقيعاً» للوضع القائم فقط». ماذا عن الحلول؟ ورداً على سؤال عن الحل الذي يراه لمعالجة الأوضاع في السودان قال المهدي: «إن المطلوب نظام جديد، عبر نشاط تعبوي سلمي يحقق انتفاضة شعبية تغيّر الوضع أو يمكن النظام الحاكم أن يستبق ذلك بتنظيم مؤتمر يمكن أن نسميه مؤتمراً قومياً دستورياً أو مائدة مستديرة للاتفاق على خريطة طريق لتحقيق سلام شامل عادل وتحول ديموقراطي كامل، كما حدث في جنوب أفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري وعرف بآلية (الكوديسا)». وعن دعوة قوى معارضة إلى تغيير النظام الحاكم بالقوة، أوضح المهدي أن بعض حلفائه في تحالف المعارضة «يتبنون إسقاط النظام، كما أن تحالف متمردي «الجبهة الثورية» يسعى إلى تغيير النظام بالقوة العسكرية، بعدما رفع سقف مطالبه من محلية وجهوية إلى إطاحة النظام». وقال: «إن التحالف يمتلك قوة عسكرية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ولديه قدرة على عمل مسلح كبير، لكن تركيبة التحالف انتقائية وغير قومية وإذا حاول إسقاط النظام بالقوة يمكن أن يفشل ما يعطي النظام مبرراً لقمع واسع بذريعة حفظ الأمن والاستقرار، وفي حال نجح في الوصول إلى الخرطوم فسيكون مستفزاً لعناصر عربية وإسلامية، وسيحدث ذلك استقطابا حاداً ينتهي بحرب أهلية دموية»، مشيراً إلى أن أي قوى تصل إلى السلطة بالقوة ستعمل على المحافظة عليها بالقوة ما سيؤدي إلى ميلاد نظام ديكتاتوري جديد في البلاد. وعن تجربته مع الحكومة كشف المهدي أنه «لمس تحولاً في موقف النظام الحاكم، عبر لقائه الأخير مع الرئيس البشير الذي زاره في مقر إقامته، ووافق للمرة الأولى على أن يكون الحكم قومياً لا يسيطر عليه أحد ولا يعزل أحداً، وتشكيل مفوضية قومية لصوغ دستور جديد للبلاد، وأن يتحقق السلام عبر آلية قومية»، وعزا هذا التحول إلى «تململ» في الحزب الحاكم، وتصاعد نشاط المعارضة المسلحة والأزمة الاقتصادية، إضافة إلى الضغوط الخارجية، غير أنه رأى أن قادة الحكم لم يهيئوا أنفسهم بعد لدفع استحقاقات التحول الأمر الذي يتطلب استمرار الضغوط الشعبية والسياسية لحملهم على ذلك عبر تسوية سياسية أو انتفاضة لتغيير الأوضاع. الحوار مع الحزب الحاكم وفي شأن حديث البشير عن اقتراب الحوار بين الحزب الحاكم وحزب الأمة إلى اتفاق، قال المهدي: «إن الحوار والاتصالات مع الحزب الحاكم خطوات لم تصل إلى مرحلة اتفاق، ولو وقع اتفاق سيكون جامعاً بمبادئ ومشروع تشارك فيه جميع القوى وليس صفقة ثنائية»، مؤكداً أن حزبه ليس مستعداً للدخول في حكومة تكون نسخة جديدة من الحكومة الحالية، ولن يقبل إلا بحكومة قومية انتقالية لتحقيق السلام وإصلاح الاقتصاد وإقرار الحريات وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وعن مواقف القوى الدولية تجاه السودان، أفاد المهدي بأن المجتمع الدولي كان حريصاً ودفع في اتجاه وقف الحرب الأهلية عبر اتفاق ثنائي بين الحكومة وحاملي السلاح في عام 2005، غير أن ذلك لم يحقق السلام فتناسلت الحروب في دارفور ثم جنوب كردفان والنيل الأزرق، ووصل إلى قناعة بفشل رؤيته، وأدرك أن الأسلوب الذي اتبعه كان معطوباً وغير مجدٍ، ما دفعه إلى تغيير موقفه وتبني معالجة شاملة لقضايا البلاد وليس تجزئتها، الأمر الذي يعزز فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. الخلافات مع المعارضة وعندما سئل عن تصاعد الخلافات التي كانت مكتومة بين حزب الأمة وتحالف المعارضة (قوى الإجماع الوطني) كشف المهدي أن تقاطع المواقف بينهما «تركز في شأن دعوته إلى نظام جديد بينما تبنى آخرون إسقاط النظام مستدعين شعارات دول الربيع العربي «الشعب يرد إسقاط النظام»، ومطالبته بنظام رئاسي، وتمسك أحزاب بنظام برلماني، وطرحه دولة مدنية تستجيب للتطلعات الإسلامية بوسيلة ديموقراطية، ورفض قوى في التحالف الحديث عن المبدأ الإسلامي، إضافة إلى اقتراحه إعادة هيكلة التحالف لمعالجة الترهل الذي يعاني منه وإنشاء أجهزة له في الإقليم وفي خارج البلاد وإدارته عبر رئاسة دورية وجهاز تنفيذي، وممارسة نقد ذاتي لتقويم نشاطه وتغيير اسمه إلى جبهة النظام الجديد أو جبهة استرداد الديموقراطية أو جبهة النظام الديموقراطي والسلام العادل»، موضحاً أن هذه المواقف ظلت ترواح مكانها منذ حوالى عام، ما شل التحالف حتى صار جسماً هلامياً بلا فاعلية. وبعد رفض تحالف المعارضة اقتراحاته التي اعتبرها قادة التحالف شروطاً، قال المهدي: «إن ذلك سيحدث استقطاباً وانقساماً في التحالف، وميلاد جسم معارض جديد»، ورجح أنه «سيطرح فكرة إنشاء برلمان شعبي للمعارضة يضم حزبه إلى جانب القوى التي تؤمن بدعوته إلى نظام جديد وقوى أخرى لم تكن جزءاً من التحالف المعارض». وحمل بشدة على أحزاب في التحالف المعارض اتهمها بأنها صارت منبر علاقات عامة لتحالف متمردي «الجبهة الثورية»، مثلما كانت منبر علاقات عامة ل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» برئاسة جون قرنق في التحالف السابق للمعارضة «التجمع الوطني الديموقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني الذي وقع اتفاقاً مع الحكومة بعد نهاية الحرب الأهلية في عام 2005 وشارك في السلطة.