تعثّرت محادثات أجراها نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار مع قادة الحكم في الخرطوم في نزع فتيل الأزمة بين البلدين بعد تمسك الحكومة السودانية بضمانات إقليمية قوية في شأن وقف دعم الجنوب تحالف متمردي «الجبهة الثورية» وتنفيذ اتفاقات التعاون التسعة بينهما حزمة واحدة. وأجرى مشار محادثات مع الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان طه. وتم تمديد زيارة الضيف الجنوبي إلى الخرطوم عقب تباعد مواقف الطرفين. وعلمت «الحياة» أن المفاوضات اتسمت بالصراحة والجدية إذ طرح كل طرف مواقفه واتهاماته ومطلوباته لتجاوز الملفات الخلافية. وقالت مصادر قريبة من المحادثات إن مشار أكد تمسّك جوبا باتفاقات التعاون وتنفيذها وقبول الوساطة الافريقية لتفعيلها وعدم وجود نية لجوبا لتغيير النظام في الخرطوم عبر دعم وإيواء الحركات المتمردة، وإنه شدد على ضرورة عدم قفل أنبوب النفط خلال 60 يوماً التي أعلنتها الخرطوم في وقت سابق. غير أن السودان طلب ضمانات إقليمية قوية في شأن وقف دعم جوبا تحالف متمردي «الجبهة الثورية» وفك ارتباطها مع متمردي «الحركة الشعبية - الشمال»، وأكد عدم اقتناعه بوعود جنوبية متكررة في هذا الشأن. كما طلب تسريع تحدد نقطة الصفر الفاصلة بين الحدود مع الجنوب وإنشاء المنطقة العازلة ونشر مراقبين من الدولتين بمشاركة بعثة السلام الدولية في المنطقة المتنازع عليها «يونيسفا». وأرجأ الجانبان مؤتمراً صحافياً كان مقرراً ليل السبت لإعلان نتيجة المحادثات على رغم حضور الصحافيين إلى مقر المؤتمر، ثم أرجئ للمرة الثانية ظهر أمس، وسط تكتم شديد على مجرى المحادثات. وقال ديبلوماسي في سفارة دولة الجنوب في الخرطوم ل «الحياة» إن المحادثات تمضي ببطء ولم تصل إلى طريق مسدود، موضحاً أن هناك نقاطاً فنية عرقلت التوصل إلى اتفاق وأعرب عن تفاؤله بتجاوزها. وفي السياق ذاته أكد نائب رئيس البرلمان السوداني هجو قسم أن آخر المعلومات التي أوردتها الأجهزة الأمنية حتى أول من أمس، أثبتت تورط دولة الجنوب واستمرارها في دعم متمردي «الجبهة الثورية»، بجانب تدخلها في حل الخلافات الداخلية للجبهة في ما يتعلق برئاسة وتبعية أركان قواتها والموازنة الخاصة بها. وقال هجو للصحافيين إن الدعم يتدفق إلى «الجبهة الثورية» عبر الجنوب، مؤكداً التزام السودان بمصفوفة الاتفاقات الموقعة مع الجنوب، لكنه أشار إلى سريان قرار الرئيس عمر البشير بإيقاف ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية خلال 60 يوماً في حال لم يتوصل الطرفان إلى حلول. وكان البشير قد أصدر قراراً بإيقاف تصدير النفط الجنوبي الذي يشكل عماد الدخل القومي للجنوب بعد اتهامه جوبا باستمرارها في ايواء الحركات المتمردة وتقديم المساعدات العسكرية واللوجيستية لها في النزاع القائم في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور. إلى ذلك، أثارت دعوة رئيس حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي إلى حل ناعم بانتفاضة مدنية لإطاحة نظام البشير جدلاً بين أهل الحكم والمعارضة، فبينما رحب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بهذا الطرح الذي يدعو إلى تجنب الحل العسكري، تمسكت قوى معارضة بإسقاط النظام ورأت أن المهدي منح الحكومة «طوق نجاة». وكان المهدي دعا إلى انتفاضة مدنية قومية أو الجلوس إلى طاولة الحوار للخروج من الأزمة السياسية التي تواجه البلاد، وعارض مسعى «الجبهة الثورية» -التي تضم «الحركة الشعبية- الشمال» وثلاث حركات من إقليم دارفور - لإسقاط النظام بالقوة، معتبراً أنه سيعطي النظام مبرراً لبقائه أو سيواجه استقطاباً جديداً يعمم الحرب الأهلية. واعتبر مسؤول الإعلام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالوكالة قبيس أحمد المصطفى ما قام به المهدي من حشد لأنصاره «كسباً للحكومة في رهان الديموقراطية وحرية التعبير»، موضحاً أن الحشد الجماهيري أفقد المعارضة ورقة اتهامها الحكومة بالتضييق عليها وحرمانها من ممارسة نشاطها العلني. ورأى أن البلاد ليست في حاجة إلى حكومة انتقالية طالما هنالك حكومة منتخبة ومعترف بها دولياً. وفي المقابل، أكد تحالف قوى المعارضة أن دعوة المهدي لن تحول دون مواصلة موقفه بإسقاط النظام «الذي لا تراجع عنه مهما كان». ورأى الناطق باسم تحالف المعارضة كمال عمر، أن المهدي منح الحزب الحاكم «طوق نجاة»، مشيراً إلى أن الحلول الناعمة لن تعجل برحيل النظام الذي اعتبره «غير قادر على إدارة الدولة السودانية الموحدة». ونفى عمر في شدة أمس، أيَّ صلة له بتخطيط لتفجير ندوة المهدي، واعتبر اتهامه مسعى من السلطات لتفتيت المعارضة وزرع الشكوك وسط صفوفها، ووصف اتهامهم بأنه «مسرحية هزيلة وسخيفة». وكان جهاز الأمن والاستخبارات أعلن أنه احبط «عملية تخريبية» استهدفت تنفيذ تفجيرات تتزامن مع اللقاء السياسي لحزب الأمة الذي خاطبه المهدى مساء السبت المنصرم في أم درمان ثاني كبرى مدن العاصمة الخرطوم.